خاص برايفت ماغازين: الدكتور إيلي هرموش: الثورة مستمرّة إنما المشوار طويل
زحلة تفتقد المرجعيات الوطنية الحكيمة
هي رسالة إنسانيّة يؤديها بنبلٍ وإخلاص وليست مهنةً عاديّةً بالمعنى التجاري للكلمة كما بات مفهومها اليوم، هكذا يصف الدكتور إيلي هرموش مسيرته المهنية بعد أكثر من 20 سنة أمضاها متنقلاً بين العيادات والمستشفيات يداوي ويطبب جراح السيّدات اللواتي يقصدنه من البقاع والشوف والمتن وكلّ لبنان.
صحيحٌ أنّه درس الطبّ العام في الجامعة اليسوعيّة في بيروت قبل أن ينتقل الى فرنسا لمتابعة تخصّصه العلمي، إلاّ أن العودة للعمل في زحلة كان الهدف والخيار الأكيد، فـ”للحياة طعمٌ آخر هنا”، يقول الدكتور هرموش رغم اعترافه بأنّ الأوضاع اختلفت كثيراً بين الأمس واليوم، حيث يلفت الى أنّ “زحلة التي ترعرعنا فيها كانت تشتهر بالعنفوان والكرامة وروابط الإلفة والمحبة والطيبة التي تجمع بين أهلها، فيما اليوم اختلف المشهد، بحيث باتت الغيرة ومشاهد الحسد والضياع تسيطر على الأجواء بظلّ غياب المرجعيّات الوازنة والقيادات الوطنية الجامعة والحكيمة التي عرفناها منذ زمن. فالأحزاب السياسيّة دخلت بقوّة الى الشارع الزحلاوي وقسّمته الى مجموعات يعود ولاؤها للزعيم وليس للمدينة بكلّ أسف».
ما تفرّقه السياسة تجمعه الحرب
غير أن هرموش لا يزال يؤمن بأن هذه المدينة العريقة هي عروس البقاع المتألقة دائماً وأبداً، ويضيف: «كيف لا تكون كذلك، وهي التي كانت عبر التاريخ أحد أهمّ المراكز التجاريّة التي تربط جبل لبنان بولاية الشام، كما أن هذه المدينة لطالما فتحت أبوابها لكلّ اللبنانيين لا سيّما في أوقات الشدائد، كما كانت الحال خلال الحرب العالمية الأولى، حين استقبلت زحلة عائلات من المتن وبيروت وغيرها هرباً من المجاعة التي قضت على ثلث الشعب اللبناني».
هذا ويشدد الدكتور هرموش، على أنّ الكرم وحسن الضيافة والنخوة صفات لا تزال تطبع أهل زحلة، الذين ما إن يدقّ ناقوس الخطر، تراهم يتحدّون للوقوف سدّاً منيعاً بوجه أيّ محاولة لزعزعة الاستقرار على قاعدة ما تفرّقه السياسة تجمعه الحرب.
وعند الحديث عن تراث المدينة العريق، يتوقّف هرموش مستذكراً رجالات زحلة الإستثنائيين، حيث قال:”زحلة قدّمت للبنان العديد من الشعراء والأدباء والمفكّرين ورجال الدولة والقانون ورؤساء جمهوريّة.. وهؤلاء تركوا بصمات في مختلف المجالات التي دخلوا إليها، ففي الأدب والشعر برز المبدع الكبير سعيد عقل الذي قال في يوم، زحلة هي نصف لبنان ولبنان هو نصف العالم، وعندما نتحدث عن رجال دولة لا يمكن أن ننسى الراحل جوزف سكاف الذي شكّل مرجعاً وطنياً كبيراً، من دون ان ننسى طبعاً أن أبناء المدينة برعوا أيضاً في المجالات العلميّة كالطب والهندسة على سبيل المثال لا الحصر ومنهم من تبوّء مناصب عالميّة رفيعة».
لتعزيز السياحة الداخلية والثقافة الوطنية
أمّا عن وضع المدينة الإقتصادي، فيلفت هرموش الى ان ما ينقص المدينة اليوم هو وجودها على الخارطة السياحيّة المحليّة، حيث يشدّد على ضرورة تعزيز السياحة الداخليّة من خلال خططٍ فاعلة يضعها المسؤوليين المعنيين عن هذا الملف، إذ هناك مشكلة حقيقية على هذا الصعيد لا سيّما في فصل الشتاء وفي ظلّ غياب السياحة الخارجيّة في هذه الظروف العصيبة التي نمرّ بها.
أمّا فيما يتعلّق بالخدمات الأساسيّة والبنى التحتية، فيلفت الدكتور هرموش الى وجود نوعٍ من الإكتفاء بالنسبة الى المستشفيات والخدمات الطبيّة، حيث يقول:”في زحلة توجد مستشفيات على درجة عالية من الجودة كما يوجد اطبّاء كفوئين في كافة الاختصاصات”، وكذلك يشير هرموش أيضاً الى تواجد مدارس عريقة فضلاً عن جامعات خاصة الى جانب الجامعة اللبنانية، ويضيف:”صحيحٌ بأنّه ليس هناك كافة الاختصاصات الجامعيّة، إنّما ذلك أمرٌ منطقي بالنظر الى عدد الطلاب”.
نحن نواجه تراكمات كبيرة وزعامات متجذرة
في مجالٍ آخر وعن رأيه بالثورة التي اندلعت في 17 تشرين الأوّل، فيرى الدكتور هرموش بأنّ الإنتفاضة تكتسب أهميّة كبرى بعد أن نجحت في توحيد الشعب تحت راية العلم اللبناني بعيداً عن الأحزاب السياسيّة، بحيث اعتبر أن نزع الثوب الحزبي عن الساحات أمرٌ ضروري حتى تستمرّ الثورة بزخمها، وأضاف: «أنا على يقين بأن شعلة الثورة مستمرّة، لكنني اعترف بأن المعركة ليست سهلة وهي بالتأكيد تستلزم وقتاً، فنحن نواجه تراكمات كبيرة وزعامات سياسية متجذرة».
هذا ويشدد هرموش على ضرورة تعزيز الثقافة الوطنية وجعلها فوق أي ثقافة أخرى مهما كان نوعها، سواء حزبية او مذهبية أو غيرها، داعياً الى أن يبدأ كلّ فردٍ بنفسه لأنّه حينها يحصل التغيير المنشود.
وفي نهاية الحديث، أمل الدكتور هرموش في ان يحصل انفراج قريب لهذه الأزمة، متنمياً ان تحصل عجيبة الهية وتنوّر عقول السياسيين حتى يؤمنوا مخرجاً من هذا النفق، لأنّ الجوع يدق الأبواب، واذا ما استمر الوضع على حاله، فالناس سترجع الى الساحات من دون حسابات لأن الجوع كافر.
Recent comments