هذا ما نشره رئيس قسم محافظة الشمال الأستاذ لقمان الكردي على صفحتة الرسمية فيس بوك
يا صاحب البهتان.. مهلًا
لقد وَضَعْتَ نفسك في مأزِقٍ مُتشعِّب المهالك، فانظُرْ بمَ تخرج منه!
ثم إنك أيها المستمع إلى صاحب البهتان، هل عمِلتَ إذ جاءك الخبر بقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغِيبَةُ؟)، قالوا: الله ورسولُه أعلمُ، قال: (ذِكرُك أخاك بما يكرَهُ)، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتَبْتَه، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه).
والبهتان -كما عرفه علماؤنا- غِيبةٌ ممزوجة بالكذب، الداعي إليها البغضاءُ والحسد، بأن ينسب إليه ما ليس فيه وما لم يقُلْه، وهو مِن الذنوب التي ليس لها كفَّارةٌ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمسٌ ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغيرِ حقٍّ، وبهتُ المؤمن، والفِرارُ مِن الزحف، ويمين صابرة يقتطع بها مالًا بغير حقٍّ).
والناسُ في زماننا هذا يتهافَتون إلى نقل الأخبار الكاذبة في مجالسهم وعبر وسائل التواصل، لا يرقُبُون في مُؤمنٍ إِلًّا ولا ذِمَّة، ولا يراعون لحرمة المؤمن تعظيمًا ولا حرمة!
ومِن الناس مَن جعل ديدَنَه التكلُّم، إما بباطلٍ محض، أو بباطل مُزِجَ بحقٍّ، أو بحق يفوحُ منه التعدي والظلم، بتصيُّد الزَّلَّات، وتتبُّع العثرات، وحَمْل الكلام على غير محملِه؛ استزلَّه الشيطانُ ببعض ما كسَب، يظنُّ أنه على شيء وما هو على شيء، إنما هو همَّازٌ مَشَّاءٌ بنَمِيمٍ، علِم الشيطانُ نقطةَ ضعفه فهو يَؤُزُّه إليها أزًّا، ضلَّ سعيُه وهو يحسب أنه يُحسِن صنعًا.
ففي الدنيا صاحب البهتان ليس له عمل يُكفِّر به فَعْلَتَه إلا بالتوبة النصوح والإصلاح، فإن لم يَتُبْ أو بقِيَتْ عليه تَبِعات ذنبه، فإنه يُحبَس يوم القيامة على جسر جهنم، حتى يُنقَّى مِن ذنبه؛ بأخذ حسناته، أو بطَرْح سيئات مَن بهتَهم عليه؛ فعن سَهْل بن معاذ بن أنس الجُهني، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مَن حمى مؤمنًا من منافق، أراه قال: بعَث الله ملكًا يحمي لحمَه يوم القيامة مِن نار جهنم، ومَن رمى مسلمًا بشيء يريد شينَه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال).
فإن فَنِيَتْ حسناته طُرِح في النار، وأسكنه الله في عصارةِ أهلها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ومَن قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله رَدْغَة الخَبَال، حتى يخرج مما قال، وليس بخارج).
وأنت أيها المبتلى بالشامتين؛ لك الله تعالى وحده، فلا تحزن ممن يشمت بك، أو يسخر، واستحضر مواقف الأقوام من أنبيائهم حين سَخِروا منهم واستهزأوا بهم فكان النصر والعلو»، وقد قال عز شأنه: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون}،
وقل للشامتين صبراً؛ فإن أيام الدنيا دوّارة، والأحوال متغيرات متقلبات؛ بل إن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يقول: «ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد، غَمُّ، وإثم، ونَفَسٌ متتابع".
وجزاء الشامتين: أن يتعرضوا للبلاء، ويعافي الله تعالى المشموت به مما ابتلاه الله به، فقد روى الترمذي : قال عليه الصلاة والسلام: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك». أي أن عقوبة الشامت في الدنيا هي انتقال المصيبة إليه، وبراءة المشموت به ومعافاته برحمة الله.
والذي يسكت عن الحق مع القدرة ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا يغير ما يجب تغييره ويسكت وهو يستطيع أن يتكلم؛ هذا يقال له: شيطان أخرس، من شياطين الإنس؛ لأن الواجب على المؤمن إنكار الباطل والدعوة إلى المعروف، وإذا استطاع هذا وجب عليه، كما قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، وقال النبي ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقابه، وقال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
فالذي يسكت عن إنكار المنكر وهو قادر ليس له مانع؛ هذا هو الشيطان الأخرس.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
لقمان الكردي
Recent comments