خاص برايفت ماغازين: زحلة مدينة السحر البلوري بقلم مارون مخول رئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي
للحديث عن مدينة زحلة المعلّقة على أكتاف الوادي كأنها تسعى للقاء الأفق بيسر، شهيقُ الأنفاسُ الحارّة التي يطربها الهواء، فهي تشبه ربوة شاهقة تتصّل بسحب السماء بعقدٍ بلّوريٍّ من الينابيع التي تشقّها وفقاً لقوانين الطبيعة التي صنّفتها رسماً بديعاً منمّقاً لم ترقَ إليه أناملُ رسّام، بل تتلحّفُ بسرِّ الالهِ الغامض الذي صوّرها على أحسن تكوين.
ولعلّه من أبرز ميزات الناس أنّهم يتفاوتون في الثقافة ولكنّهم يجتمعون على الإنبهار بالجمال والفتنة، وقد تغنّى الشعراء والعامّةُ بتلك القطعة الفريدة بجمالها والتي تسمّى «زحلة»، واعتبروها حصناً منيعاً لآيات الجمال والسحر البديع.
ومن خصال أهل مدينة زحلة التعاون والتناصف وتبادل الأفكار، ولهذا تميّزت بثقافتها المزدهرة وبمجالسها الأدبية الزاخرة بكبار الشعراء والمفكرين والفلاسفة الذين مرّوا بها من جميع أقطار العالم، وتركت في مساحات أقلامهم دهشة وعشقاً لها لا حدود له.
وبما أنّ الناس يتخفّفون من الجهل كلّما ارتقت الحضارة، فقد شيّدت زحلة هياكلَ حضارتِها بأقلامِ مفكريها وأدمغةِ مثقفيها، واقتصادها المزدهر وانفتاحها على أبواب العالم بأسره.
هي «مدينة الخمر والشعر»، لأنّها تميّزت بوفرة كرومها التي تصنّع منها أجود أنواع الخمور، و شهرتها بصناعة العرق والنبيذ تعود لعهدٍ قديم، وقد أورثها الأباء لأبنائهم، ونصبوا تمثالاً على مدخل المدينة يرمزإلى الشعر والخمر كمنبرين متلازمين، كما أنّها تتميّز بتربةٍ خصبة ومناخٍ معتدل، يسحر الألباب ويجذب القلوب. ترتفع فيها القصور المترفة على قمم رباها وتتناثر البيوت القرميدية العتيقة بأحجارها كقطع أثرية نادرة منقطعة المثيل، وعندما مرّ بها الشاعر الكبير أحمد شوقي كتب لها قصيدته الشهيرة: «يا جارةالوادي» والتي لحنّها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب.
من أبرز شعراء زحلة سعيد عقل الذي أسّس مدرسة الشعر السيريالية الرمزية، وكتب قصائد خالدة غنّتها فيروز، وأدباء وشعراء كقيصر وشفيق وفوزي ونجيب وجورج وموسى ورياض معلوف، وسعيد عقل، وحليم دمّوس، وموسى نمّور، وميشال طراد، وجان زلاقط، وخليل فرحات، وأنيس خوري، وجوزف أبيطعّان، وجوزف جحا، وجوزف صايغ، ونقولا يواكيم، وخليل سخط، وجوزف غصين، وريمون قسيس، والياس حبشي، وجورج كفوري، وخليل كفوري وغيرهم الكثير فقد نسهو عن ذكر أسماء قيمتها تضاهي كبار الشعراء في العالم العربي. ومن أبرز الفنّانين الذين تعود جذورهم لها الممثل العالمي عمر الشريف والمخرج الكبير يوسف شاهين. ولن ننسى شمس الأغنية نجوى كرم ووائل الكفوري ونقولا وناجي الاسطا وغيرهم من كبار المغنين العالميين مثل شاكيرا...
يرتادُ مدينة زحلة الكثير من السواح اللبنانيين والأجانب، لكثرة حدائقها وينابيعها ومطاعمها التي تتناثر حول نهر البردوني الشهير الذي يتهافت على وصفه الكتاب لأنّه مصدر لنجوى المحبين وذكريات الغابرين، ولسيلٍ جارفٍ من الإلهام العميق.
ولعلّ هذا الوصف لا يبلغ من الدقة ما تتمتّع به زحلة من جمالٍ خلّاب كتب عنه الكثير من الشعراء والفلاسفة والمفكرين، وهذا المقال هو وصفيٌّ عام لا يعرجُ على التفاصيل الدقيقة التي تتميّز بها المدينة مناخيّاً وتراثيّاً واقتصاديّاً وحضاريّاً، ولكنّه يبسّطُ الشرح في إيجازٍ وسعة، حتى نقدّم للقارئ صورةًعامّة عن الوجه الحقيقي لزحلة في آمادٍ قصار، وهي التي تجلّلت تيجانها بالدرر الفضيّة التي تسيل تحت ضوء القمر والذهبية عندما تنسجها سبائك الشمس باحتدامها.
زحلة مدينة العلم والنور وعرين الأسود كما أطلقوا عليها وجارة الوادي التي تجاوره وتقف معه على الأطلال البالية الجميلة لماضي الزمن الجميل، وتسامر أذهان الشعراء وتشغل حيّزاً هامّاً من التدابيرالإقتصادية الوطنية لمجالاتها المفتوحة من خلال أرضها للزراعة والصناعة والإستثمار، وتعدّ مدينة من أهمّ المدن في لبنان.
ونحن هنا نسترجع كلمات أحمد شوقي لمّا قال فيها:
يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وعَادَنيْ
ما يُشْبِهُ الأحلامَ مِنْ ذِكْراكِ
مَثَّلْتُ في الذكرى هَواكِ وَفي الكَرى
والذِّكرياتُ صَدى السِنيْنَ الحاكي
ولَقَدْ مَرَرْتُ عَلى الرياضِ بِرَبْوةٍ
غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها ألقاكِ
ضَحِكَتْ إليًّ وُجوهُها وَعيونُها
وَوَجّدتُ في أنفاسِها رَيّاكِ
لَمْ أَدرِ ما طِيْبُ العِناقِ عَلى الهَوى
حتَّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطَواكِ
ومما قاله شاعر القطرين خليل مطران
Recent comments