خاص برايفت ماغازين: أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك... تاريخها وحاضرها
تتقاطع الدلائل حول ظهور أسقفية الفرزل في أوائل القرن الخامس، وكانت تتبع متروبولية دمشق حسب التنظيم الكنسي في ذلك العهد ومقرها بلدة الفرزل نفسها.
كانت إحدى الأسقفيات الـ 153 التي كانت متعلقة بالكرسي الأنطاكي، أمّا أول أساقفتها فكان القديس بردانوس مؤسس هذا الكرسي الذي توالى عليه الأساقفة طوال ثمانية قرون ونيّف حتى أواسط القرن الثالث عشر.
وفي سنة 1259 ضرب الظاهر بيبرس، سلطان المماليك، بلدة الفرزل فدمّر بيوتها وشتّت سكانها، مما أدى إلى إحتجاب كرسيها الأسقفي حتى 13 ايلول 1724 يوم رسامة الأب افتيموس فاضل المعلولي أسقفاً عشيّة عيد الصليب، وهكذا تكرّست مطرانية الفرزل بعد احتجاب لتلعب دوراً أساسياً في ظهور طائفة «الروم الملكيين الكاثوليك».
يذكر المطران غريغوريوس عطا ان تقهقر حال الفرزل عن الأول هو السبب في إنتقال كرسيها الأسقفي إلى زحلة، ويوافقه الرأي المطران افتيموس فاضل فيقول «سنة 1727، نقل سالفنا المثلث الرحمات المطران افتيموس فاضل محل إقامته من الفرزل إلى زحلة لأسباب عمرانيّة كما هو معروف ....»
ويورد المؤرخ الأب غودار في كتابه «القديسة العذراء في لبنان « ما يلي: «إنتقل أسقف الفرزل الى زحلة منذ زمن بعيد، فمنذ سنة 1768، إستقر المطران معلولي في الحي الأعلى حيث ابتنى بيتاً وكنيسة للسيدة العذراء، وقد احتفظت الفرزل بلقب كرسي المطرانية للروم الكاثوليك، كتعويض وتعزية.
ويدلّ التدرج في تغيير تسمية كرسي الفرزل الأسقفي من «مطرانية الفرزل «إلى مطرانية الفرزل والبقاع» التي اعتمدها المطران يوسف فرحات سنة 1775، فـ «مطرانية الفرزل وزحلة البقاع» التي حمل ختمها المطران اغناطيوس العجوري إعتباراً من سنة 1828، على إستمرار تردد مطران الفرزل في حسم مقر أسقفيته حتى أواخر العقد الثالث من القرن التاسع عشر، عندما باتت زحلة أكبر بلدة كاثوليكية في الشرق دون منازع، فسقطت كل المحاذير التي تحول دون إعتمادها مقراً لمطرانية الفرزل وزحلة والبقاع.
وهكذا يكون مطران الفرزل وزحلة والبقاع قد إستمر متنقلاً في إقامته ومقر أسقفيته بين الفرزل وزحلة حتى سنة 1828 عندما حسم المطران اغناطيوس عجوري نهائياً مقر هذه الأسقفية لمصلحة هذه الأخيرة.
المطارنة المتعاقبون
أفتيموس فاضل (1724– 1772)
يوسف فرحات (1775 – 1793)
باسيليوس جبلي (1796 – 1811)
مكاريوس الطويل (1811 – 1813) انتخب بطريركاً في ما بعد
اغناطيوس العجوري
(1816 – 1834)
باسيليوس شاهيات
(1836 – 1864)
أمبروسيوس عبده (1866 – 1875)
ملاتيوس فكاك (1876 – 1881)
اغناطيوس ملّوك(1881 – 1898)
كيرلس مغبغب (1899 – 1925)
انتخب بطريركاً في ما بعد
أفتيموس يواكيم ( 1926 – 1972)
يوحنا بسّول (1971 – 1977)
أغسطينوس فرح (1977 – 1983)
أندره حداد (1983 – 2010)
عصام يوحنا درويش
(2011 – لغاية اليوم)
ولاية المطران عصام يوحنا درويش
انتخب السينودس المقدس لكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك في 15 حزيران 2011 ، المطران عصام يوحنا درويش راعياً لأبرشية الفرزل وزحلة والبقاع خلفاً للمطران اندره حداد، وتسلم الولاية الأسقفية في 15 أب 2011 ليعود بذلك بعد 15 عاماً الى المدينة التي غادرها عام 1996 بعد انتخابه راعياً لأبرشية استراليا ونيوزلندا، مدينة زحلة التي خدم فيها كاهناً لرعية مار يوسف حوش الأمراء، وانشأ اكبر مؤسسة اجتماعية كنسية «دار الصداقة».
تميزت ولاية المطران درويش ببناء الإنسان والحجر:
أسس إذاعة صوت السما وافتتحها في 28 ايار 2012، هدفها إيصال البشارة إلى المؤمنين، وهي تغطي كامل البقاع وأجزاء من فلسطين وسوريا، وهي إذاعة دينية موضوعة بتصرف كل الكنائس في زحلة والبقاع، تبث البرامج الدينية وتنقل القداديس والإحتفالات.
بصفته رئيساً للجنة العليا لمستشفى تلشيحا، قام سيادته بتجديد بعض الأقسام فيها، كالطوارئ، والعناية الفائقة، والطابق الثاني، بدعم محلي ودولي من المحسنين، وتم تجديد غرف العمليات وتزويدها بأحدث المعدات والأجهزة، وما زال العمل جارياً لتجديد وتحديث باقي الأقسام.
إيماناً منه بالشبيبة ودورها في الكنيسة، أنشأ سيادته مكاتب للشبيبة في الرعايا مع مكتب مركزي في المطرانية يتولى التنسيق في ما بينها، وبهدف دعم الشباب وإبقائهم في أرضهم بادر سيادته إلى بناء مجمعات سكنية في الفرزل «تلة السيدة» وفي صغبين البقاع الغربي «سيدة البحيرة» ضمّت أكثر من 70 شقة سكنية مع تسهيلات في الدفع، وجرى تدشين مشروع البقاع الغربي في 23 أيلول 2018 وقبله مشروع الفرزل.
فعّل سيادته عمل الجمعية الخيرية الكاثوليكية بهدف مساعدة المحتاجين في الأبرشية، كذلك أنشأ العديد من الجمعيات التي تهتم بمختلف المواضيع، وشجع الحركات الرسولية وبخاصة حركة ميداد.
المشروع الأهم يبقى مطعم «طاولة يوحنا الرحيم» الذي دشّنه المطران درويش في 20 كانون الأول 2015 مع إطلاق قداسة البابا فرنسيس سنة الرحمة الإلهية، وهو مطعم مجاني يُقدّم وجبات طعام ساخنة للفقراء والمحتاجين وذلك بفضل المحسنين والمتبرعين من لبنان وخارج لبنان، ووصل عدد الوجبات في ظل الأزمة الحالية التي تعصف باللبنانيين إلى 1500 وجبة يومياً. مع العلم انه يعمل في المطعم عدد من المتطوعين يقدمون خدماتهم دون اي مقابل.
في عام 2016 بادر المطران درويش إلى تجديد وترميم كاتدرائية سيدة النجاة التابعة للمطرانية، وبعد حفر يدوي دام أكثر من شهر، اكتشف رواق كبير من الحجر الطبيعي تحت الهيكل يعود إلى القرن الثامن عشر، أقيم فيه «كابيلا» صغيرة وإلى جانبها مدفن للأساقفة والكهنة. أما في الكاتدرائية فتم إزالة الطين عن الحجر فظهرت آية من الجمال، وتم ترميم الموزاييك القديم، وتجديد المذابح، وخلال العمل تم إكتشاف فريد من نوعه في العالم، وهو إكتشاف أربعة غرف إعتراف داخل جدران الكاتدرائية تحوي نوافذ إلى الخارج والداخل، وبعد عمل إستمر حوالي السنة والنصف، إحتفل بتدشين الكاتدرائية بحلتها الجديدة في 14 حزيران 2017 بقداس إحتفالي ترأسه المطران درويش بمشاركة المطارنة إبراهيم إبراهيم وإدوار ضاهر.
بعد الإنتهاء من تجديد الكاتدرائية بدأت ورشة تجديد الطابق الأول في المطرانية، فاستقدم رسّامين من أوكرانيا قاموا على مدى ثلاثة أشهر برسم الأيقونات في سقف الممشى الرئيسي بالإضافة إلى تركيب أجهزة تبريد وتدفية حديثة، وجرى تدشين الطابق في 15 آب 2019 بحضور غبطة البطريرك يوسف العبسي.
وترافقت ورشة المطرانية مع ورشة تأهيل حديقة المطرانية والموقف التابع لها، بحيث سيتم زرعها بالشجر ووضع تماثيل للأساقفة الذين تعاقبوا على الأبرشية .
يبقى المشاريع التي هي قيد التنفيذ حالياً:
المتحف البيزنطي: الذي سيضم عدداً كبيراً من الإيقونات القديمة من مجموعة المطران درويش قدّمها إلى المتحف لتبقى بمتناول الجيل الصاعد، بالإضافة إلى العديد من الأواني الكنسية والكتب الطقسية القديمة، والعمل يتم بإشراف مهندس إيطالي متخصص بالمتاحف.
المكتبة الإلكترونية: وهي مكتبة حديثة ستكون بمتناول الباحثين والطلاب، ستتضمن المواضيع التالية: تاريخ الكنيسة، تاريخ كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، تاريخ الأبرشية، تاريخ زحلة وتاريخ العائلات الزحلية، وسيتم تدشينها قريباً جداً.
ومن المشاريع المهمة التي أقدم عليها المطران درويش هو بناء مقر صيفي للمطرانية في عيتنيت البقاع الغربي، بهدف دعم الوجود المسيحي في البقاع الغربي، وتشجيع الحوار بين مكونات المجتمع في البقاع الغربي، وتشجيع أبناء المنطقة المقيمين في بيروت للعودة إليها في عطلة نهاية الأسبوع. وأضحت المطرانية في عيتنيت مركزاً للتلاقي والحوار في المنطقة. وجرى تدشين مبنى المطرانية في 31 آب 2014.
والأهم من كل ما ذكر ان المطران درويش أعاد زحلة الى خارطة الإهتمام السياسي العالمي، من خلال إستقبال عدد كبير من الشخصيات العالمية زاروا المطرانية أمثال رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرنسوا فيّون، وزير الإقتصاد الفرنسي الحالي برونو لومير، رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان الكاردينال ليوناردو ساندري وعدد كبير من الكرادلة، أو من خلال سفر المطران درويش ولقائه شخصيات عالمية في مقدمها قداسة البابا فرنسيس، الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، ولي العهد البريطاني الأمير شارل وغيرهم من الشخصيات العالمية.
وفي عهد المطران درويش بقيت سيدة النجاة مركزاً للحوار الوطني من خلال اللقاءات والإجتماعات التي اقيمت فيها وضمت مختلف الأفرقاء اللبنانيين السياسيين والدينيين.
في النهاية لا شك ان ولاية المطران درويش ستطبع تاريخ المطرانية، وستكتب تاريخاً جديداً للأجيال القادمة.
Recent comments