وصول فريق التحقيق الدولي إلى ووهان، ولكن أية أدلة سيجد؟
ووهان، الصين -- بعد تأخير ومشاحنات سياسية دامت طويلا، وصل أخيرا فريق من المحللين التابعين لمنظمة الصحة العالمية إلى ووهان في الصين، لإجراء تحقيق حول أصول فيروس كورونا بعد أكثر من عام على ظهوره.
ووصل الفريق الدولي المؤلف من 13 عالما يوم الخميس، 14 كانون الثاني/يناير، لتنفيذ مهمته. واستقبل أفراد الفريق مسؤولون صينيون يرتدون البدلات الواقية وقدموا لهم فحوص مسحة الحلق لدى وصولهم، قبل نقلهم بسرعة إلى فندق للحجر طوال أسبوعين قبل بدء العمل.
هذا ويعارض البعض فرضية أن الفيروس الذي هز العالم ظهر في البداية بسوق رطب في ووهان، حيث تباع الحيوانات البرية، ومنها الوطاويط كأغذية.
ومنذ ذلك الحين، تفشت الجائحة في كل أنحاء العالم، ما أدى إلى وفاة مليوني شخص وإصابة عشرات الملايين حتى اليوم، إلى جانب التسبب بركود حاد في الاقتصاد العالمي.
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن تحديد مسار انتقال الفيروس من الحيوان إلى الإنسان هو أمر أساسي لتجنب أي تفش جديد في المستقبل.
ولكن رغم أشهر طويلة من المفاوضات المضنية حول نطاق مسؤوليته، منع النظام الصيني فريق العمل من الوصول إلى البلاد في مطلع الشهر الجاري، ما يؤشر إلى حساسية سياسية حول قصة أصل الفيروس التي طبعتها الاتهامات المتبادلة بين الدول والتخمين والإنكار.
وفي مطلع العام 2020، تكتمت السلطات الصينية على خبر ظهور وباء مميت طوال أسبوع تقريبا رغم معرفتها بذلك، وسمحت بهذه الطريقة للفيروس بالانتشار في ووهان ومنها إلى جميع أنحاء العالم مع تعمدها التعتيم على أدلة تفشي المرض أو تدميرها.
وحاولت سلطات ووهان في البداية إخفاء تفشي الفيروس، واستمرت طيلة أسابيع حاسمة في إنكار انتقال العدوى من إنسان إلى آخر.
وفي البداية أيضا، أعلن مسؤولون صينيون بشكل قاطع أن الفيروس تفشى من سوق هوانان للمأكولات البحرية في ووهان. ولكن بيانات صينية أظهرت في كانون الثاني/يناير 2020 أن العديد من الحالات التي ظهرت أولا لم يكن لها أية صلة معروفة بالسوق الذي بات مغلقا، الأمر الذي يشير إلى مصدر آخر للفيروس.
وتغيرت قصة الصين مجددا في آذار/مارس الماضي عندما أعلن المسؤول الرسمي الأكبر في مركز مكافحة الأمراض في الصين غاو فو، أن السوق لم يكن مصدرا بل "ضحية"، حيث أنه كان المكان الذي تكاثر فيه مسبب المرض.
ولكن الصين امتنعت منذ ذلك الحين عن ربط الأمور ببعضها بصورة علنية، ولم تكشف إلا عن معلومات ضئيلة بشأن العينات الحيوانية والبيئية التي جمعت من السوق والتي يمكن أن تساعد المحققين.
كذلك، أبقت الصين المتخصصين الأجانب بعيدين عما كان يحصل في الداخل.
محاولات لتغيير الرواية
ومنذ اندلاع الأزمة، حاولت بكين جاهدة تبديد الانتقادات حول دورها في جائحة فيروس كورونا عبر نشر نظريات المؤامرة، لكنها ضُبطت متلبسة بنشر المعلومات المضللة حول الفيروس في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي إطار هذه الجهود، سعى النظام الصيني بشدة للترويج لـ"أعماله البطولية" في مكافحة جائحة كوفيد-19.
كذلك، حاولت بكين تعزيز قوة إقناعها خلال الجائحة، متعهدة بمشاركة لقاحاتها مع الدول النامية ومعتمدة "دبلوماسية اللقاح".
ومن جهتها، أسرفت وسائل الإعلام الصينية الرسمية في أن تظهر للعالم أن البلاد تخطت جائحة فيروس كورونا للعالم، ولكن زيارة منظمة الصحة العالمية تأتيفي ظل انتقال النظام الصيني للقضاء على حالات تفش جديدة للفيروس.
يُذكر أن أكثر من 20 مليون شخص هم في الحجر المنزلي في شمال الصين وأعلنت إحدى المقاطعات حالة الطوارئ، في حين أعلن البلد في 14 تشرين الثاني/نوفمبر عن أول حالة وفاة جراء كوفيد-19 في 8 أشهر.
وفي اليوم نفسه، سجلت اللجنة الوطنية للصحة في الصين 138 إصابة إضافية، وهو أكبر عدد إصابات يسجل في يوم واحد منذ شهر آذار/مارس من العام الماضي.
وتسارع بكين للعمل على القضاء على حالات تفشي الفيروس المحلية قبيل مهرجان رأس السنة الصينية الشهر المقبل، عندما سينتقل مئات ملايين المسافرين عبر مختلف أنحاء البلاد.
منظمة الصحة العالمية تبحث عن أجوبة
وتستعد الصين للتدقيق الذي سيجريه فريق علماء منظمة الصحة العالمية على روايتها عن الفيروس.
وقامت بكين شيئا فشيئا بالترويج لفكرة أن الجائحة تفشت من خارج حدودها، مفضلة التركيز على طريقة سيطرتها السريعة نسبيا على الأزمة الصحية العامة.
وعلى سبيل المثال، قالت صحيفة الشعب اليومية الرسمية في منشور على موقع فيسبوك في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر إن "كل الأدلة المتاحة تشير إلى أن فيروس كورونا لم يبدأ في مدينة ووهان وسط الصين".
وفي تشرين الثاني/نوفمبر أيضا، سارعت بكين إلى تحريف دراسة نشرت في مجلة طبية إيطالية، للدلالة على افتراض أن فيروس كوفيد-19 قد انتشر في إيطاليا منذ أيلول/سبتمبر 2019، حاذفة بذلك تفاصيل مهمة في استنتاجات الدراسة ومستخدمة مفاهيم علمية ناقصة لتعزيز الشكوك بشأن أصول الجائحة.
والحقيقة هي أن كل الأدلة تشير إلى أن ووهان الصينية كانت مركز انطلاق الأزمة العالمية، ولهذا السبب حرصت منظمة الصحة العالمية على البدء بأبحاثها من هناك.
وواجهت المنظمة تحديات لإبعاد الخلفية السياسية عن مهمتها.
وحذر رئيس فريق منظمة الصحة العالمية بيتر بن إمباريك قائلا إن "الطريق قد تكون طويلة جدا قبل أن نتوصل إلى فهم كامل لما حصل فعلا".
وذكر أنه بعد الحجر الإلزامي في الفندق لمدة أسبوعين، سيتمكن الفريق "من التنقل ولقاء نظرائنا الصينيين شخصيا والتوجه إلى المواقع المختلفة التي نريد زيارتها".
وتابع "لا أعتقد أنه ستتوفر لدينا أجوبة واضحة بعد هذه المهمة الأولية، ولكننا سنمضي قدما".
وأوضح أن "الهدف هو التقدم بعدد من الأبحاث التي كانت قد صممت مسبقا وتم اتخاذ قرارات بشأنها قبل بضعة أشهر لنفهم ما حصل بصورة أكبر".
تكتم وشكوك
ومن غير المعروف ما سيسمح للعلماء برؤيته أو ما يتوقع أن يتوصلوا إليه بعد مرور سنة. وقال محللون إنه من الممكن أن تكون السلطات قد أتلفت أو محت أدلة أساسية في ردة فعل أولية اتصفت بالهلع.
وفي هذا السياق، قال بيتر داسزاك مدير إيكو هيلث ألاينس، وهي منظمة عالمية غير ربحية تركز على الوقاية من الأوبئة، إنه "يتم التعامل مع كل جائحة بالطريقة نفسها. تعمّها الفوضى وقلة التنظيم".
وأوضح "لم يكن عملهم جيدا في التحقيقات الحيوانية التي جرت في بداية الأمر".
وتابع "أظهروا انفتاحا في بعض النواحي، وانفتاحا أقل في نواح أخرى".
يُذكر أن أسباب التكتم الصيني غير واضحة، ولكن الحزب الشيوعي الحاكم له تاريخ معروف في قمع المعلومات المضرة سياسيا.
فتم إسكات أو سجن المبلغين والمواطنين الذين يعملون كصحافيين والذين نشروا تفاصيل عن الأسابيع الأولى المرعبة لتفشي الفيروس على الإنترنت.
ومن جهته، قال عالم الأوبئة الذي يتابع عن كثب التفشي العالمي للأوبئة بجامعة جورج تاون دانيال لوسي إن بكين ربما تريد إخفاء أية هفوات نظامية أو أخرى متعلقة بالتحقيقات لتجنب إحراج محلي أو ردود فعل عالمية".
وأضاف أن المشكلة قد لا تكون حتى في سوق ووهان، مشيرا إلى أن الفيروس كان أصلا ينتشر سريعا في المدينة بكانون الأول/ديسمبر 2019، ما يشير إلى أنه كان قد بدأ بالانتشار قبل فترة طويلة من ذلك.
ويعود السبب في ذلك إلى أن تطور الفيروس وتحوله ليصبح سريع الانتقال بين البشر قد يستغرق أشهرا أو سنوات عدة.
هذا وازدادت الشكوك عندما قالت الصين في كانون الأول/ديسمبر إنه أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا في ووهان ربما كانت أكبر بـ 10 أضعاف في بداية الجائحة مقارنة بالأعداد الرسمية التي كشفت آنذاك.
Recent comments