خاص برايفت ماغازين: د. عفاف مراد: الحسد يضرب المجتمع اللبناني ... والمرأة اللبنانية عدوّة نفسها
من رحم المعاناة... ولدت سيدة مشرقة إستثنائية
هي خير مثال للمرأة المكافحة والمناضلة ليس فقط على مستوى لبنان والعالم العربي إنمّا على مستوى العالم كلّه، فحياتها عبارة عن مسيرةٍ مليئةٍ بالعقبات والتحديّات والتجارب القاسية الموجعة التي تخطتها واحدةً تلو الأخرى متسلّحةً بإرادتها الصلبة وعزيمتها الجبّارة.
في العائلة، كانت الأمّ المتفانية التي سهرت على توفير أفضل تربية لأولادها وأفضل عناية لزوجها الكاتب العلمي والبروفيسور المهندس الدكتور سليم مراد.
في الحياة المهنية، كانت ولا تزال السيّدة الرائدة التي لا يعرف طموحها حدوداً، فهي خططت وثابرت وتعبت ونجحت حين كان النجاح عبارة عن رحلة محفوفة بالمخاطر وشبه محكومة بالفشل.
هي السيّدة الإستثنائيّة التي لا تعرف راحةً او هدوءاً، كيف لا تكون كذلك وهي الناشطة الملتزمة في مجالات الحقوق والعلاقات الديبلوماسية ومجالات التربية والتعليم وتبادل الثقافات.
هي المرأة الحديديّة الراقية التي شقّت طريقها وسط الأشواك الكثيرة، زارعةً زهور الأمل في قلوب من قست عليهم ظروف الحياة.
إنها الدكتورة عفاف مراد، مؤسسة ومديرة المدرسة العربية الحديثة فى ميونخ لأكثر من ثلاثين عاماً ومديرة المركز الألماني في جبل لبنان تفتح قلبها لأسرة مجلتنا، متحدثةً عن تجربتها مع الحياة وعن وجعها لما يجري في بلدها الأم فهي رغم غربتها تحمل لبنان في قلبها أينما ذهبت ويبقى شغلها الشاغل نشر ثقافة بلاد الأرز ودعمه عبر نشاطات عديدة كان آخرها تقديم اثني عشر محاضرة سياحية وتاريخية عن لبنان مرفقة بصور عن المناطق اللبنانية الساحرة والأخاذة، وكانت هذه الأخيرة في إلمانيا اذ انها تشارك الثوار وتنتفص على طريقتها الخاصة وتساهم في نقل الصورة الحضارية المشرفة وولادة لبنان الجديد. فكان لنا معها حوار شيّق ننشر فيما يلي أبرز ما جاء فيه.
- في البداية ، ماذا تقول الدكتورة مراد عن مسيرتها العلمية والمهنية الرائدة على مستوى لبنان والعالم؟
في الحقيقة يجوز القول بأنني ضحية المرأة العربية، صحيحٌ بأن نصيبي في هذه الحياة يعتبر جيّداً إن لم نقل ممتازاً لكن من يسمع قصتي يدرك بأنني عشت معاناة درامية بكلّ ما للكلمة من معنى. لقد تزوجت في سنٍّ مبكرة من المرحوم الدكتور سليم مراد وهو عالم ذرّة وفيزياء من الجبل وتحديداً من عاليه، وهو بالفعل ابن عائلة محترمة وقد أمضى فترة طويلة من حياته في ألمانيا حيث عمل على تحقيق حلمه بكلّ شغف ومثابرة من خلال التخصص في جامعة «أينشتين» التي تعتبر إحدى أهمّ الجامعات في العالم وفي المجال الأحبّ على قلبه وذلك في العام 1955، علماً بأن الراحل هو من أوائل المهندسين المسجّلين في نقابة المهندسين اللبنانيين.
شاءت الصدف ان نلتقي حين كان في لبنان لزيارة أهله وأنا كنت امكث عند شقيقتي المتزوّجة في عاليه وبعيداً عن أهلي المتواجدين في أفريقيا وكنت أبلغ حينها 15 عاماً، فقررت تحدّي أهلي بأن أتزوجه رغم فارق السنّ الكبير بيننا وذلك للتخلص من حياتي التعيسة آنذاك. وبالفعل فقد وجدت فيه الأب والشقيق والصديق وهو بالمناسبة صاحب ثقافة واسعة ويدرك أهميّة العلم بحيث تلقيّت منه وعداً حول استكمال دراستي في ألمانيا. وهذا ما حصل، رغم قساوته وخوفه الكبير عليّ.
باختصار، لقد عانيت وتعبت كثيراً في حياتي، انما الحمد الله وفى زوجي بوعده لي بحيث تعلمت اللغة الألمانية، ودخلت الجامعة وتخصصت في مجال الحقوق. كما أنعم الله علينا بثلاثة أولاد وعشنا حياة كريمة ومحترمة وبقيت الى جانب زوجي حتى الرمق الأخير.
- كيف انطلقت مسيرتك المهنية؟
في البداية عملت كمترجمة محلّفة، ولاحقاً عملت في مجال تعليم اللغة العربية. مع الإشارة الى أنني دخلت الجامعة ودرست علم النفس لسنتين كما درست الطب لفترة قصيرة. ثم قرّرت بأن أتخصص في مجالٍ من شأنه أن يقوي لغتي الألمانية وفي الوقت عينه يبقيني الى جانب عائلتي، فاخترت مجال الحقوق ونجحت بعد مثابرة وتعب.
- لقد عملت على نشر اللغة العربية في ألمانيا واللغة الألمانية في لبنان، كيف تقيميّن هذه التجربة؟
حين كنت طالبة جامعيّة في العام 1986، فكّرت في إنشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية وهذا ما حصل في ميونخ، بحيث إفتتحت مدرسة لتعليم اللغة العربية في آواخر الثمانينات والحمدلله كان الإقبال كبيراً عليها، بحيث كان طلابها من مختلف الفئات العمريّة ولا سيّما المتقدمين في السن. فأبناء الشعب الألماني يحبّون تعلّم القراءة والكتابة والتحدث باللغة العربية، إذ لديهم ميلٌ كبير للعلم. وأنا من ناحيتي عملت أيضاً ضمن إطارٍ رسمي مع حكومة بفاريا وأدخلت اللغة العربيّة الى المنهاج التعليمي الألماني ولا أزال لليوم.
- ماذا عن المركز في لبنان؟
المركز تأسس سنة 2009، ففي ذاك العام توفي زوجي الذي لطالما حلم بتحقيق إنجازٍ ما لمنطقته، إذ رغم تغربّه كان قلبه وفكره دائماً مع لبنان، إنّما لسوء الحظ لم يتمكّن من تحقيق اي مشروع، بحيث أنّ كلّ خطوة كان يحاول القيام بها في الجبل كانت تصطدم بالزواريب السياسيّة والطائفيّة اللبنانيّة الضيّقة وهذا ما لا يقبل به الدكتور سليم. من جهتي، أخذت على عاتقي تحقيق حلم زوجي وبالفعل تمكّنت من افتتاح المركز ليلة 24 كانون الأوّل من العام 2009 كتخليدٍ لذكرى الراحل، وكان الإفتتاح عبارة عن مهرجانٍ رائع أُقيمَ برعاية رئيس بلديّة عاليه بالإضافة الى مسؤولين سياسيين وغيرهم، علماً بأنني في تلك الفترة كنت ناشطة في السلك الدبوماسي الألماني بحيث كنت من ضمن عداد البعثة الديبلوماسية الألمانية الى روسيا قبل أن انتقل الى القاهرة حيث مكثت لثلاث سنوات والى جانبي عائلتي.
- كيف هو الإقبال على المركز في لبنان؟
يتفاوت عدد الدورات التعليميّة بين فصلي الصيف والشتاء، مع الإشارة الى أن المبلغ الذي نتقضاه هو رمزي جدّاً، كما أن اساتذة المركز هم من طلاّبنا في ألمانيا الأمر الذي يمكن وضعه ضمن إطار تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين.
- بين ألمانيا ولبنان والعائلة، كيف تمكنت من تنسيق الوقت؟
في الحقيقة، أنا اعتبر الحياة كلّها عبارة عن تنظيم، علماً أنه في ألمانيا توجد عطلة تتراوح بين 10 أيام وأسبوعين كلّ 6 أسابيع، وأنا استغلّ هذه العطلة للقدوم الى لبنان.
في فتراتٍ سابقة كنت أذهب الى الخليج حيث افتتحت مكتباً للاستشارات القانونية في دبي، كما كنت في عداد الوفود الديبلوماسية والإقتصادية الألمانية الى مختلف الدول العربية للمشاركة في مؤتمرات ونداوات مختلفة.
- لقد تمّ تكريمك في مناسبات عديدة ونلت جوائز متنوّعة، ماذا تعني لك احتفالات التكريم؟
بالفعل صحيح، فقد نلت خلال مسيرتي العديد من الجوائز والدروع التكريمية. في ألمانيا تكرّمت كثيراً على اعتبار أنه في تلك الدولة الراقية يتمّ تقديرالشخصيّات التي تلمع على مختلف المستوايات، بحيث أحسست بقيمة المجهود الذي بذلته على مدى السنوات من خلال الصحافة والإعلام الأجنبي الذي منحني حقي. في لبنان ومع إحترامي للصحافة والصحافيين فإن التعاطي معهم محدوداً جدّاً، لأن هذا القطاع جعلني أشعر بصدمةٍ سلبيّةٍ كبيرة، لذلك أفضّل ان أبقى بعيدة، وأنا بالمناسبة لاحظت وجود مرض خطير يضرب المجتمع اللبناني هذه الفترة، هذا المرض هو عبارة عن حسدٍ دفين وتداعيات هذا الحسد بدت واضحة على الشعب.
- ما هي رسالتك للمرأة اللبنانية؟
أنا تنقلّت بين بلدان مختلفة وقد لاحظت وجود تطوّر وثقافة واسعة لدى النساء حول العالم. في لبنان نحن نفتقد إلى الأخلاق، إذ إن 80 الى 90 % من النساء لديهنّ مشكلة نفسيّة، وأنا اعتبر بأنّ المرأة اللبنانية هي عدوّة نفسها.
- هل من كلمة ختامية؟
في النهاية، لا بدّ من القول بأنّ لبنان يبقى رائعاً بطبيعته ومناخه المعتدل لا سيّما في منطقة الجبل، وأنا من المؤمنين بأن الوضع الإقتصادي الحرج الذي يمرّ به هذا البلد يدفع الشعب الى التصرّف على هذا النحو، فأبناء الشعب اللبناني يشهد لهم بطيبتهم وكرمهم وذكائهم كما أنّهم من أصحاب الكفاءات والريادة على مختلف المستويات والمجالات.
إحتفالية لتكريم د. عفاف مراد بألمانيا
أقام المستشار أورغل دنغر مدير عام ماكسيمليان جمنازيوم والسيد زاوارر يدا بيد رئيس قسم إدارة الفيلولوجيا ولغة الإستشراق والمختص بتطوير اللغات، ممثلا ًعن حكومة بفاريا للتعليم العالى في ألمانيا إحتفالية خاصّة لتكريم الدكتورة عفاف مراد الألمانية من أصل لبناني وذلك لعملها وإخلاصها في تحسين وتبادل العلاقات التعليمية والقانونية والدبلوماسية ما بين ألمانيا والبلدان العربية، كما تدريس اللغة العربية الفصحى للتلاميذ الألمان حكومياً على مدى خمسة وعشرين سنة، حيث قاما بتسليم الشهادة وتعليق النيشان على الكتف مع الترحيب وإلقاء الكلمة الرسمية بإسم الهيئة العامة الفيلولوغين والرئيسة ملار.
تضمنت الإحتفالية دعوة المسئولين والمهتمين بشئون حكومة بفاريا على عشاء خاص بمطعم دونيسل التاريخي العريق الكائن بوسط مدينة ميونيخ - عاصمة بفاريا - الشهير بتقديم الطعام البفاري الفخم .
وحول هذا التكريم أكدت الدكتورة عفاف مراد قائلةً: «إن هذا التكريم والنيشان هو وسام على صدري، وتتويج لجهد دام خمس وعشرون عاماً في تدريس اللغة العربية للطلاب الألمان، وفي العمل على تقريب المسافة بين الثقافتين الألمانية والعربية».
تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة عفاف مراد إمرأة ألمانية - عربية من أصل لبناني، تعمّقت في السلك الدبلوماسي الألماني، حيث أسّست المركز الأماني في لبنان منذ تسع سنوات، بهدف تشجيع تعليم اللغة الألمانية ومساعدة الطلاب في دراستهم في ألمانيا، وكونها تنحدر من جذور عربية، إنبثق إهتمامها بالتعزيز والتعريف عن دور المرأة العربية إنسانياً وعائلياً وعالمياً، وهي عضو فاعل وتواصل دائم مع جمعيات عالمية عديدة، ومؤسسة ومديرة للمدرسة العربية الحديثة فى ميونخ منذ ثلاثين عاماً، وهي تعمل مع حكومة بفاريا في ميونيخ على تعليم وتعزيز اللغة العربية للألمان، وعضو بالمنظمة الدبلوماسية الألمانية، كما أنها تقدّم محاضرات إجتماعية في ألمانيا، بصفتها عضو في منظمة إتحاد المحاميات الألمان، حيث أنها حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون الدولي، وهى عضو في الجمعية القانونية الإسلامية العربية في ألمانيا، فضلاً عن كونها عضو بمجلس النساء اللبناني.
من أسرة مجلة برايفت ماغازين ألف مبروك للدكتورة مراد، فنحن جد فخورين بنساء أمثالها ترفعن إسم لبنان في المحافل الدولية.
Recent comments