خاص برايفت ماغازين: زحلة هي رئةً البقاع وعاصمة الشعر الدائمة الريس أحمد سفر
لقانون يحفظ الإستقلالية القضائية
وجهٌ أكاديمي وحقوقيّ مرموق في زحلة لا بل في الجسم القضائي والتعليمي في لبنان. هو صاحب مسيرةٍ مهنيةٍ بيضاءً ناصعةً تماماً كأفكاره النقيّة وكلماته المدروسة. فهو القاضي الذي حرص على تأمين التوازن بين كفتيّ الميزان في أحكامه وقراراته، لأنّه يؤمن بأنّ العدل هو أساس الملك ويؤمن أيضاً بأن مفهوم العدالة هو مفهومٌ أخلاقيٌّ إنسانيٌّ يقوم على إحقاق الحق بقوّة الأخلاق والعقلانية والقانون والإنصاف.
هو المحاضر الجامعي المخضرم الذي يوجّه طلاّبه بكثيرٍ من الإهتمام والعناية، فهو الذي وضع خبرته الطويلة في خدمة جيل الشباب علّ مستقبلهم يكون أكثر إزدهاراً ممن سبقهم. إنه حقاً من نخبة القضاة وكبير الأساتذة والمخلص الوفي للمدينة التي إحتضنته وإحتضنها في قلبه وعقله.
هو القاضي المتقاعد الدكتورأحمد سفر الذي يتحدّث لأسرة مجلتنا عن مدينة زحلة وتاريخها الثقافي العريق بالإضافة إلى الشؤون القضائية بظلّ التحديّات التي تواجه هذه السلطة اليوم وذلك في خلال حوار شاملٍ، ننشر فيما يلي أبرز ما دار فيه.
- بدايةً ريّس، نلاحظ أن لزحلة حيثيّة معيّنة تميّزها عن بقيّة المدن، لماذا برأيكم؟ وماذا تعني لكم هذه المدينة على المستوى الشخصي؟
زحلة تعتبر مركز محافظة البقاع منذ ما يقارب المئة عام، وبحكم هذا الموقع، إستقطبت معظم الإدارات الرسمية و المؤسسات التجارية وغيرها، وهي أيضاً شكّلت مركزاً ثقافيّاً للمنطقة المحيطة لجهة المدارس المختلفة التي تضّمها من رسميّة وخاصة والأمر نفسه بالنسبة للجامعات. بالفعل لقد إعتبرت زحلة رئةً تتنفسّ من خلالها كافة أقضية المحافظة قبل أن تنفصل عن محافظة البقاع في السنوات الأخيرة محافظة بعلبك الهرمل. ولكن زحلة حافظت على مركزها كونها عروس البقاع، بحيث لا تزال حاضنة للعديد من الأنشطة والفعاليات التي تتيح للأفراد والشركات تلبية معظم احتياجاتهم
أمّا على المستوى الشخصي، فأنا تعلّمت هنا وجئت قاضياً إلى المدينة منذ أوائل الثمانينات وحتى العام 2000 كما درست في الجامعات اللبنانية اليسوعيّة والأنطونيّة لحوالي 30 سنة، فماذا يمكن أن أقول عن مدينةٍ قضيت فيها سنوات طويلة من حياتي، سواء كطالب أو كمدّرس للطلاب، لقد نسجت علاقات أخوّة وصداقة مع مختلف عائلات المدينة من أساتذة ومثقفين ومفكّرين ورجال اعمال.
- للمدينة تاريخٌ ثقافي راقٍ وارتباط وثيق بالشعر، لماذا برأيكم؟
زحلة عريقة بتاريخها بإعتبار ان فيها وادي العرائش الذي شكّل مصدر إلهامٍ لكثير من الشعراء، من أمير الشعراء أحمد شوقي إلى آل معلوف إلى كثير من الشعراء والأدباء سواء من زحلة أو من المحيط وحتى من محيطها الجغرافي الذين أعجبوا بها وبطبيعتها وواديها وكرم أهلها ومناخها لا سيّما في فصل الصيف، فأبدعوا وكتبوا الكثير من القصائد التي خلدّت إسم زحلة عبر التاريخ، يُضاف إلى ذلك حبّ أهل عروس البقاع للشعر وتذوّقهم لهذا الفنّ الرفيع. من هنا، باتت هذه المدينة مقصداً لأهل الفكر والثقافة والسياحة، حيث باتت نواديها ومجالسها الثقافية تستضيف ندوات ومؤتمرات ومنتديات ثقافيّة وشعريّة و تنمويّة على مدار العام.
- هل هذا الإرتباط لا يزال قائماً مع الجيل الجديد وهل تتوقعون أن يستمرّ؟
زحلة غنيّة اليوم بشبابها الشعراء الذين يتطلّعون إلى تخليد أسمائهم على خطى أسلافهم، فهذه الميزة الخاصة مازالت تلازم كثيرين من أبناء المدينة الذين يسعون لإبقاء زحلة مدينة الشعر و الفن والأدب على مدى الأيّام.
- نلاحظ ان لهذه المدينة تأثيراً خاصاً على كلّ زائرٍ لها، انطلاقاً من هنا، كيف تقيمون دورها الإقتصادي؟
بالحديث عن المميّزات الإقتصاديّة لمدينة زحلة، فلا بدّ من الإشارة إلى ان للمدينة سهلاً خصباً فنتجاً للحبوب والخضار والفواكه وهي لطالما إشتهرت بموائدها الغنيّة من مواردها ومن روابيها ومن أرضها وبالتالي لديها خصوصية زراعية. كذلك تشكل المدينة والقرى المحيطة مركزاً صناعياً بحيث توجد مدينة صناعية مهمّة تعتبر مصدر جذب وإستقطاب للعديد من الزراعيين والصناعيين في البقاع والمحيط، بالإضافة طبعاً إلى السوق التجاري الذي يعتبر مقصداً أساسيّاً لكثير من أهالي البقاع ومن خارج البقاع. إنّ كل ذلك، يجعل لزحلة أيضاً خصوصيّة إقتصادية مميّزة تضاف إليها إستثنائية صفات أهل زحلة لجهة النخوة والثقافة ومحبة الضيف وإكرامهم له. فزحلة منفتحة على العالم العربي والإغترابي بحيث ينتمي إلها الكثير من المغتربين وهناك تواصل قائم لغاية اليوم بينها و بينهم تعمل في الزيارات والخدمات واللقاءات المتبادلة بين مختلف البلدان والقارات.
- هل تعتبرون ان المدينة تفتقد اليوم لرجالات سياسية تشكل مرجعاً على غرار الراحل جوزيف سكاف؟
السياسة في زحلة لها شؤون وشجون، لذلك يمكن توجيه هذا السؤال إلى سياسيّي المدينة، فهم لديهم الجواب لأنّهم يتعاطون بيوميّات المدينة السياسية.
- بصفتكم قاضياً متقاعداً، هل من الممكن إعادة ترميم الثقة المفقودة بين القضاء والمواطن برأيكم؟
إنّ القضاء بحدّ ذاته يمثّل سلطة مستقلّة من شأنها أن تشكّل حصناً وملاذاً لأصحاب الحقوق الذين يحرصون على أن تكون هذه السلطة هي المقصد والملجأ الذي يستطيعون من خلاله تحصيل حقوقهم، ولكن السياسة التي تدخلت في القضاء خاصة خلال العقود الأخيرة أدّت لأن يصبح القضاء، لن أقول مرتبطاً إنّما تجمعه علاقةٍ ما بالسياسة وخاصة بالمرجعيّات النافذة التي إستطاعت أن تؤثر في المناقلات القضائية لا سّيما الجزائيّة منها، الأمر الذي جعل الناس أصحاب الحقوق يشعرون بأنّ بعض القرارات القضائيّة يمكن أن تكون متأثرة ببعض الإعتبارات السياسية، لذا إزدادت فجوة الثقة بين المتعاملين مع المحاكم والمتقاضين وأهل القضاء. نحن نرجو إعتبار هذه العلاقة الملتبسة موجة صيف عابرة في سماء القضاء وأن يتوصل القضاء في هذه الأيّام إلى ما أصبح شعار المرحلة الأخيرة وهو إستقلالية السلطة القضائية. هناك مشاريع في مجلس النواب تدرس على نار حامية، تؤيد الأستقلالية القضائية عن السلطتين الأخريين الإجرائية والإشتراعية، على أن عماد هذا الإستقلال يكون في التعاون بين السلطات لما فيه إحقاق الحق لأنّ العدل أساس الملك.
- انطلاقاً من هنا، هل تعتبرون ان ما يحري اليوم في المصارف لجهة القيود المشددة على عمليّة السحوبات النقديّة أمرٌ قانوني؟
إنّ قانون النقد والتسليف لم يتطرّق إلى هذه الحالة غير المسبوقة التي وصلت إليها المصارف في لبنان، ولكن يبقى ان الودائع المصرفية تحكمها من وجهة نظر القانون العقود الموقعّة بين المودع والمصرف وخاصة عند تاريخ إستحقاقها، بحيث يُفترض بالوديعة ان تُردّ لصاحبها في هذا التاريخ. ولكن تبعاً للعلاقة التي جعلت المصارف تضع كثيراً من هذه الأموال في سندات خزينة كديون على الدولة أو شهادات إيداع في مصرف لبنان لقاء فوائد عالية، ونظراً لتوسّع الدولة في الإنفاق وعجز الميزانية المتفاقم سنة بعد سنة، برز سؤال كثيرين عن مصير هذه السندات بالعملة بالمحليّة أو العامة بالعملات الصعبة، لذا إضطرت المصارف لإتخاذ إجراءات أمام شحّ السيولة لديها وتهافت المودعين على طلب ودائعهم في آنٍ واحد نتيجة الظروف السياسية الخطيرة، بحيث لا تستطيع المصارف سواء في لبنان أو في أي دولة في العالم تلبية طلبات جميع المودعين في آنٍ واحد. فأمام شحّ السيولة وضعف التحويلات من الخارج نتيجة ظروف سياسية أو نتيجة ماتعانيه مصادر كانت تأتي منها التحويلات، لذلك عمدت المصارف إلى فرض قيود على السحوبات والتحويلات من شأنها أن تحافظ على إستمرار القطاع المصرفي، الذي يسمّيه البعض بـ «كابيتال كونترول» أو حجز ودائع، بمعنى تقييدات على السحوبات والتحويلات.
نحن نأمّل من خلال تصاريح المسؤولين سواء من مصرف لبنان أو القطاع المصرفي الممثل بجمعيّة المصارف أو على مستوى الدولة، أن لا يكون هناك خوف على الإيداعات حرصاً على حماية المودعين ولا سيّما الصغار منهم، وأن يكون هناك مخارج للأزمة تطبخ اليوم على مستوى الخطة التي تعدّها الدولة بالإتفاق والتشاور مع صندوق النقد الدولي والمستشارين الدولين، فعسى أن تكون خيراً، وكلّنا أمل في أن تحمي المودعين وتحفظ حقوقهم، ولكن لا يمكن أن يأتي الحلّ بين
ليلة وضحاها، فقد يستلزم الأمر شهوراً وربما سنوات حتى يستطيع لبنان أن ينطلق بمسيرة التعافي الإقتصادي وبالتالي المصرفي والنقدي خاصة بظل إهتزاز سعر صرف الليرة تجاه الدولار الاميركي. إذن نحن بإنتظار الخطة الإقتصادية حتى يُصار إلى تثبيت سعر الصرف وإستقراره لأنّه يشكل منطلقاً للأعمال التجاريّة والتعاملات الماليّة اليوميّة.
- هل من كلمة أخيرة
أتمنى لمجلتكم مزيداً من الإنتشار وأتمنّى للأعداد الخاصة التي تعدّونها عن بعض المناطق والمدن اللبنانية، أن تشكّل مرجعاً يمكن العودة إليه للوقوف على الحقائق والمعلومات الخاصة بها وكلنا أمل بمستقبلٍ زاهر لوطننا لبنان.
Recent comments