خاص برايفت ماغازين: مدير عام غرفة التجارة والصناعة والزراعة في البقاع يوسف جحا: المنطقة الإقتصادية الحرّة في البقاع كنزٌ للدولة
«نيّال» زحلة بأهلها، هذه الجملة نردّدها كلّما قابلنا أحد أبناء هذه المدينة العريقة التي كانت ولا تزال العصب لا بل الشريان الأساسي الذي يضخّ الحياة في محافظة البقاع كلّها، فهذه المدينة الجبّارة بتاريخها النضالي الحرّ، بفضل شجاعة أبناءها واستبسالهم في الدفاع عنها متى دقّ ناقوس الخطر، كانت أيضاً المُحرّك الإقتصادي الذي أنعش المنطقة كلّها وصولاً إلى الدول المجاورة كما يؤكدّ التاريخ القديم والحديث.
وعن هذا الدور الريادي، يتحدّث مدير عام غرفة التجارة والصناعة والزراعة في البقاع الأستاذ يوسف جحا بكلّ فخرٍ وإعتزاز حيث يقول في حديثٍ خاص إلى أسرة مجلتنا: «زحلة هي مدينة نموذجيّة تمثل لبنان التنوّع، لبنان الحضارة، لبنان الإنفتاح، لبنان الرسالة»، مشيراً إلى أن أهالي زحلة دفعوا ثمناً باهظاً للحفاظ على هذه المدينة الإستثنائية ولم يبخلوا بدمائهم عنها متى دعت الحاجة».
هذا ويشير جحا إلى أن عروس البقاع كانت قد لعبت دوراً كبيراً جدّاً مع المطران كيرلس مغبغب والبطريرك الياس الحويك في إعلان دولة لبنان الكبير، حيث أوضح بأن: «إعلان الجنرال غورو في 3 آب ضمّ الأقضية الأربعة: البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا وإعتبارها أساساً للبنان الكبير من أوتيل «قادري الكبير» قبل الإعلان الرسمي في قصر الصنوبر في 1 ايلول 1920، له دلالات كبيرة في هذا الإتجاه، فالزحالنة إعتبروا ان الأراضي التي سُلِخت عن لبنان نتيجة بروتوكول 1864 عادت إليهم مع هذا الإعلان».
نحن أحفاد الديمقراطية
وفي الحديث عن زحلة وأهلها يتوّقف جحا، صاحب الأيادي البيضاء والأعمال الإنسانية التي خبرها عن قرب مع أفراد جمعيّة مار منصور دو بول التي ترأسها في فترة سابقة، للحديث عن العائلات السبع التي طبعت تاريخ المدينة، حيث يقول: «زحلة تشكّل أوّل حالة ديمقراطيّة في الشرق، والعائلات السبع التي عُرفت في المنطقة كانت عبارة عن مجموعة عائلات من الناس الأحرار الذين أتوا بغالبيتهم من بلاد ما بين النهرين نتيجة إضطهاد والظلم، وهؤلاء كانوا من الرجال الأقوياء النشيطين والمنتجين وأصحاب كرامة. صحيحٌ انّهم إتخذوا طابعاً عائليّاً عشائريّاً، إنما هم أصحاب حق ومواقف، يؤمنون بالعدل والعدالة والقيم الإنسانية . والجديرٌ ذكره أيضاً أن هؤلاء كانوا متواضعين لدرجة انّه رفض البعض منهم لقب البكوات وفضلوا لقب شيخ وما له من بعد وطني وتعاضدي، مما خلق نوعاً من المحبّة مع أبناء زحلة كافة وكانوا من فصيل متجانس واحد وقوة متماسكة. بالفعل لقد شكّل هؤلاء حالةً إجتماعية معيّنة وأوجدوا مجلساً محليا لتمثيلهم والقرارات المتخذة فيه كانت تصبّ في مصلحة الجميع. عمليّاً، نجحت تلك العائلات في إرساء شبكة أمان إجتماعي بحيث كانت تواجه التعديات الخارجية بشجاعة من دون خوف أو تردد، كما تمكنت من خلق إستثمارات في المدينة، الأمر الذي أنعشها من الناحية الإقتصادية، بإختصار لقد تمكّن هؤلاء من إرساء دولة نموذجية صغيرة آمنة ومُزدهرة.. لذلك نحن نشدد اليوم على أهميّة توفّر الأمن والأمان في البلد كضرورة لتعزيز الإستثمار وتنشيط الإقتصاد».
أما عن الدور الذي تلعبه هذه العائلات اليوم، فيعتبر جحا أن الإحترام والتقدير للدور التاريخي الكبير الذي لعبته لا يزال موجوداً، إنما يُشير في الوقت عينه إلى وجود تغييرات يتوجّب أخذها بعين الإعتبار. حيث يقول: «نحن نؤمن بالديمقراطية، لا بل نحن أحفاد الديمقراطية وبالتالي نؤمن بدور وقدرة وحريّة وخيارات كلّ فردٍ على مستوى زحلة ولبنان».
المنطقة الإقتصادية الحرّة والمرفأ الجاف وسكة الحديد في البقاع... ضرورة إستراتيجية وطنية
في سياق آخر، يشدد جحا على أهميّة الموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي تتمتّع به المدينة، حيث يقول: «تتميّز زحلة بموقعٍ إستثنائي، بحيث تقع بين عاصمتين،وعلى خطوط مدن كبرى شمالا حمص حماه حلب حتى الخط الأوروبي الأمر الذي يجعلها تتمتّع بمقوّمات إقتصاديّة وإجتماعية وخدماتية بارزة، إضافة إلى وجود عدد كبير من أبنائها في بلدان الإغتراب».
من هنا، يدعو جحا إلى ضرورة المحافظة على هذا الدور لما يحمل من إزدهار ليس فقط لمنطقة زحلة أو البقاع إنما للبنان كلّه، متوقفاً عند أهميّة المشاريع التي تقدّمها غرفة التجارة والصناعة والزراعة في هذا الإتجاه، ومنها مشروع إنشاء المنطقة الإقتصادية الحرّة في البقاع ومن ضمنها مشروع الـ DRY PORT أو المرفأ الجاف، وهو نوع من المرافئ التي يتم إنشاؤها على البرّ بعيداً عن البحر في مناطق تشكّل صلة وصل بين البحر والحدود مع الدول الأخرى، وهذا ما ينطبق على منطقة البقاع تحديداً. فضمن هذا المرفأ، سيتمّ تخليص كافة المعاملات الإدارية والأمور اللوجستية الخاصة بالمستوعبات والحمولات التي يتمّ شحنها من مرفأ بيروت والمرافئ اللبنانية الأخرى نحو الداخل السوري وصولاً إلى الأردن والعراق والخليج عموماً. وهذا المشروع من شأنه بطبيعة الحال أن ينعش إقتصاد المدينة والدولة ككل.
ويتابع قائلاً: «إن مشروعاً بحجم المنطقة الإقتصادية الحرّة في البقاع مع ما يتضمنّه من مشاريع لإنشاء خطوط مواصلات وأنفاق وسكة حديد بيروت زحلة رياق سرغايا وحمص ، بموازاة مشروع المنطقة الإقتصادية في الشمال سيعود بفوائد هائلة على الاقتصاد المحلّي بحيث يصبح لبنان مركزاً لجذب الإستثمارات، ناهيك عن آلاف فرص العمل التي ستكون من نصيب الشباب ولا سيّما أبناء الجبل والبقاع».
إلى ذلك، يتوقّف جحا عند أهميّة الغرفة والدور المحوري الذي تقوم به في أكثر من إتجاه، حيث قال: «نحن نسعى لتطوير قدرات الشركات والمؤسسات عبر برامج ومشاريع تنموية إلى جانب تفعيل قدرات مختبرات وتجهيزات الغرفة لتواكب المؤسسات والشركات وتحسّن جودة المنتجات، ونحن نتخذ كافة الخطوات اللازمة من أجل تحسين التبادل التجاري».
هذا ويلفت المدير العام إلى ان الغرفة تضم 4500 منتسباً مشتركا، يستفيدون من الخدمات العديدة التي تقدمها هذه المؤسسة التي وضعت مختبرات فحص المنتجات وتطويرها الذي أسسته بتصرّفهم، بالإضافة إلى دائرة التدريب وتطوير القدرات، ودائرة شهادات المنشأ والتصدير. فهذه الغرفة تبقى حريصة على تطوير وتحسين الوضع الإقتصادي، لذلك وضعت تصوّراً متكاملاً وإستراتيجية تحاكي منطقة نموذجية.
في المقابل، يشدد جحا على ضرورة المحافظة على التقاليد التي إشتهرت فيها المدينة وضرورة تعزيز منتوجاتها التراثية، فصحيحٌ أن هناك تطوّرات وتحوّلات تجاريّة، إنّما لا يجوز أن تتراجع جودة المنتوج الزحلاوي، فالقضايا التراثية هي أساسية للمدينة ويجب المحافظة عليها. من هذا المنطلق أيضاً، يجب ترميم الأسواق التراثية القديمة كسوق البلاط وغيرها من الأسواق لتكون مركزاً لعرض هذه المتنوجات التي تبقى منتجات باب أوّل يُرفع بها الرأس فيه على مستوى الوطن والعالم.
في مجال آخر، يشدد جحا على أهمية تعزيز السياحة الدينية والثقافية في زحلة بإعتبار ان المدينة تضمّ معالم تاريخية فريدة يجب الإضاءة عليها، مثل معلم «مقام نوح» الذي يبلغ عمره نحو 8000 سنة والذي يقع في أحد أحياء المدينة، وأيضاً كنيسة سيدة الزلزلة التي تعتبر من أقدم الكنائس والتي جمعت المسيحييّن بمختلف مذاهبهم. في الحقيقة هناك العديد من المعالم الثقافية والسياحة الرائعة المميزة التي يجب المحافظة عليها وهي بالمناسبة ليست ملكاً لزحلة فحسب إنما للبنان كله.
وفي نهاية حديثه، تمنّى جحا أن تبقى زحلة نموذجاً للنمو وللبنان المتعافي السليم الذي نحلم به،
مشيراً إلى أن الهدف يبقى المحافظة على خيرة شبابنا والحدّ من الهجرة لأننا نحتاج إلى طاقات الجيل الجديد. نعم! قال مدير عام غرفة التجارة والصناعة وتابع: «نحن لدينا الإمكانيات ونستطيع تطوير قدراتنا ومنتوجاتنا ونستطيع توسيع إنتشارنا. لذلك سنبقى متفائلين رغم كلّ الظروف والمآسي التي نمرّ بها، وسنعمل لتبقى زحلة بخير، فطالما ان هذه المدينة بخير سيكون لبنان حتماً بخير».
تحرير: مــارينــا روفايل
Recent comments