خاص برايفت ماغازين: الجامعة الأنطونية في زحلة... رسالة أكاديمية وأكثر
الجامعة تتمتع بمستوى أكاديمي رفيع ومهمّ يطال كافة الإختصاصات والمجالات
يكاد يكون القطاع التربوي مفخرة البلد الوحيدة وسط سلسلة الأزمات التي تضرب كافة قطاعات الدولة. ذلك ان الرسالة الإنسانيّة والوطنيّة والأكاديميّة التي تؤديها المدارس والجامعات اللبنانية وتحديداً الكاثوليكيّة منها، تدفعنا للإنحناء امامها تقديراً لعطاءاتها وتضحياتها وإنجازاتها على مختلف الأصعدة والمستويات.
وللرهبنة الأنطونيّة دوراً كبيراً في هذا السياق، باعتبارها جزءاً من تاريخ لبنان وإرثه الثقافي العريق. فهذه المؤسسة الدينية التربوية الراقية اعطت الوطن جيلاً من المثقفين الرياديين من اصحاب الكفاءات الذين لمعوا في الوطن والمهجر.
بالفعل فقد شكّلت هذه الرهبنة ومن خلال مؤسساتها الأكاديميّة قيمةً مضافةً للقطاع التربوي، بحيث كانت الرافعة التي حملت لبنان نحو القمّة على مستوى الخدمات التعليميّة بين بلدان الشرق الأوسط والمنطقة الإقليميّة.
ولأن الرهبنة تؤمن باللامركزيّة كضرورة حتميّة من أجل إنماء مناطق الأطراف، ولأنّها تؤمن أيضاً بأنّ الوطن لا ينهض إلا بنهوض كافة محافظاته، كان لا بدّ لمؤسسات الرهبنة أن تلاقي جميع التلامذة والطلاّب أينما حلّوا على الأراضي اللبنانيّة.
من هنا، تأسست الجامعة الأنطونيّة في زحلة وراحت تكبر سنة بعد سنة، مستقطبةً الطلاب من مختلف الأديان والمذاهب لترسّخ عيشاً وطنياً حقيقياً بكل للكلمة من معنى
لا شكّ بأن منطقة البقاع مرّت عملياً بمراحل عديدة لا سيّما خلال الأحداث السابقة، من هنا فإنّ وجود الرهبنة الأنطونية في هذه المنطقة يعتبر رسالة بحدّ ذاته. علماً أنّه وفي هذه المنطقة يوجد للرهبنة ثلاثة أديار تتبع لها أحدها في رياق والثاني في قبّ الياس، بالإضافة الى دير مدرسة مار يوسف وسط مدينة زحلة. فللرهبنة توّجهٌ يقضي بالمحافظة على الوجود المسيحي في هذا المكان وكلّ نقطة من لبنان، ذلك ان البطركية المارونية تولي اهتماماً خاصاً لمناطق الأطراف التي تعتبرها السياج الذي يحمي الوطن وسكّانه، فإذا ما اهتزّ هذا السياج تتغيّر الديموغرافيا كلّها.
تأسيس مؤسسات تربوية يحافظ على الوجود، انطلاقاً من هنا، اعتبرت الرهبنة ان تأسيس مدرسة في المنطقة يحافظ على الوجود ويخلق شبكة أمان من شأنها أن تبقيَ الناس في أرضها، فلا ننسى أنه وخلال الحرب الماضية «تنذكر وما تنعاد»، حصلت صدامات عديدة أدّت الى بروز روح طائفيّة كان لا بدّ من العمل للقضاء عليها. فأتت فكرة الرهبنة في إنشاء مدرسة مع الأب انطوان دكاش الشجاع الذي سار بعكس تيّار النزوح وبنى مدرسة رغم تعرضه لمعارضات كثيرة.
وبالفعل، فقد انعكس هذا الأمر إرتياحاً في نفوس السكّان الذي اطمئنوا واعتبروا المدرسة باباً مفتوحاً للعيش المشترك، فالمسلمون والمسيحيون باتوا يتعلّمون في مدرسة واحدة لها مستوىً مميّزاً وضمن تعايشٍ لافت. وهكذا ومع وجود المدرسة حافظت الرهبنة الأنطونية على الوجود المسيحي الذي يُعتبر بشارة ورسالة للآخرين، هذه الرسالة التي يكمن جوهرها في حسن التعاطي مع الربّ ومع الإنسان.
هكذا إذن، بدأت رسالة الرهبنة التعليمية في البقاع التي تطوّرت ودخلت مرحلةً جديدة مع إنشاء الفرع الجامعي منذ عشرين عاماً مع الآباتي حنا سليم الذي كان يتمتّع ببعد نظرٍ إستثنائيّ.
تاريخٌ حافلٌ بالإنجازات والنجاحات الأكاديمية
إن تاريخ الجامعة الأنطونيّة يحفل بالإنجازات الهادفة الى تعزيز مستواها التعليمي، فهي في تطوّر مستمرّ الأمر الذي جعلها محطّ أنظار طالبي العلوم التخصصيّة. فهي تسعى لتشمل حيازة شهادات الاعتماد والجودة من الوكالات العالميّة وإطلاق الإختصاصات الجديدة وتطوير المناهج التربوية لمواكبة احتياجات السوق بالإضافة الى تأسيس مراكزٍ للأبحاث المتخصصة وغيرها من المشاريع النهضوية التي مكّنت الجامعة من تبوّء مركز رفيع في الوسط الأكاديمي.
هذا وتجدر الإشارة الى إنّ الجامعة الأنطونية بفروعها كافة قائمة على عملٍ دائمٍ وتطوّرٍ مستمرٍّ، فصحيحٌ بأنّ فرع البقاع ينفصل عن المركزي من الناحية الجغرافية، إلا أنّ الجامعة الأنطونية هي واحدة. فالجامعة تتمتّع بمستوى أكاديمي رفيع ومهمّ يطال كافة الإختصاصات والمجالات، مع الإشارة أيضاً، انّ فرع الجامغة الأنطونية في زحلة يضمّ بعض الاختصاصات مثل هندسة الكمبيوتر والأتصالات، علم الرياضة، العلاج الفيزيائي، إدارة الأعمال وتفرعاته، علوم مختبرات الأسنان وغيرها، علماً أن كلّ اختصاص يمكن متابعته حتى النهاية في الفرع.
وللبقاع حيثيّة خاصة بنظر الرهبنة الانطونية، فهناك شيء ما مميّز في هذه المنطقة اسمه الاحترام المبتادل والتعاون المتبادل، فلا احد هنا يسعى لتغييير أحد. بل بالعكس تماماً، فترى الجميع يسعى ليكمل المجتمع الواحد بعضه البعض بحيث توجد حاجة دائمة الى التواصل الدائمٍ مع الأهالي ورؤساء البلديّة والمسؤولين المحليين بمن فيهم الجهات الحزبيّة أيضاً التي لها ثقلها في القطاع التربوي والثقافي. فأبواب الجامعة تبقى مفتوحة للجميع بكلّ محبّة واحترام من دون تفرقة او تمييز، باعتبار ان الرهبنة تؤمن بحاجة المجتمع البقاعي الى هذا التقارب والتلاقي.
هذا وتؤكد اوساط الرهبنة الأنطونية بأن التحدي اليوم كبير جدّاً باعتبار ان الظروف التي يمر بها لبنان خطيرة للغاية، غير انها مصرّة على الاستمرار في رسالتها الشريفة، حيث ستبقى العين الساهرة التي ترافق الجيل الجديد من الشباب وتوجهه لما فيه خير المجتمع والوطن.
وفي زمن تكاثر الصعاب والتحدياّت، تبقى الدعوة لكلّ المؤمنين لعيش الإنجيل والإيمان الحقيقي، فالإنسان يحتاج الى الكتاب المقدّس بحياته الروحية كما بحياته الزوجية والمهنية والثقافية تماماً كالراهب في الدير. كما وتبقى رسالة الجامعة الأنطونية بقاء وترسيخ العاائلة البقاعية في جذورها وأرضها.
Recent comments