خاص برايفت ماغازين: إلهام معلوف الزناتي: ترعرعنا على حبّ الشعر والأدب
هي ابنة زحلة عروس البقاع، «زحلة المتّكِئَة على صَدْرِ صنّين الشامِخِ شموخها، هي ابنةُ زحلة، مُلْهمَة الشعراء ومُبْدِعَة الأُدباء وراعِيَة النُقّاد وحاضِنَة الكتّاب... زحلة الغانِيَةُ الغالية، التي أرْخَتْ ليلَ شَعرِها على شوقي، وأضاءَت بنورِ فجرِها شعراءَ المعالِفَة، وأرْضَعَتْ من نبع عبقريّتها عقل وطراد ودموس، زحلة دار السلام ومربى الأُسودِ!»
بهذه الكلمات الشعريّة تتغنّى السيّدة إلهام معلوف الزناتي بمسقط رأسها زحلة. كيف لا؟ وهي سَلِيلَةُ بيتٍ عريقٍ جَمَع اُمراءَ الشعر والبيان، وسليلةُ الدَّوحَة المعلوفية التي أَعْطَت للبنانَ والعالم ثلاثة شعراء: رياض معلوف، «والدُها» فوزي وشفيق معلوف، «أَعمامها» وقد لمعوا في بلاد الإغتراب وتركوا آثاراً راوئِعَ في الشعر والنثر: «غمائم الخريف»، «عبقر»، «على بساط الريح»... وحفيدةُ العلّامة عيسى إسكندر المعلوف، المؤرِّخ والباحث، صاحب مؤلفات عديدة تعتبر مراجعاً تاريخية: «تاريخ زحلة»، «تاريخُ الأُسَر الشرقية»... ومؤسس المكتبة المعلوفية النفيسَة التي ذاعَ صيتُها في الشرق والغرب، وكانت مَحَجّاً للأدباء والشعراء والباحثين من كل حدبٍ وصوب.
والدتُها سلوى «معلوفية» أيضاً، استحقَّت عن جدارة لقب «ذاكرة المعالفة»، إذ انها كانت تختزن في ذاكراتها قصائد وأعمال المثلّث المعلوفي والمراجع الموجودة في مكتبة عيسى إسكندر المعلوف. السيدة إلهام الزناتي متزوجة من المهندس فارس الزناتي، صاحب مؤسسة «زناتي إلكترونيك» ولها منه ولدان: مارك «37 سنة» خرّيج جامعة القديس يوسف - بيروت، وهو طبيب متخصّص في مراجعة المسالك البولية، وقد تابع تخصّصَه في مستشفى Hôtel Dieu وفي مستشفيات باريس وماريو «31 سنة» وهو أيضاً تخرَّج من جامعة القديس يوسف بيروت ويتابِعُ تخصّصه في جراحة الرأس والأعصاب في الولايات المتّحدة الأميركية «السنة السادسة».
تقول السيّدة إلهام أن العائلة كُلّها ترعرعت على حُبّ الشعر والأدب: اخوها، عيسى المعلوف يحمل إسم جدّه، الحائز على إجازة في إدارة الأعمال من جامعة القديس يوسف – بيروت، وعلى ماجيستر في «التمويل» من جامعة Paris- ESCP، وماجيستر في «التمويل» أيضاً من المعهد العالي للأعمال busniness school Paris ESA، له كتابات شعرية ونثريّة عديدة تتناول مختلف المواضيع، أولادها الطبيبان مارك وماريو يتذوقان الشعر ويفاخران بإنتمائهما إلى العائلة المعلوفية. ومما لا شك فيه، أن هذه البيئة الثقافية، كان لها الدور الأكبر في إنخراط السيدة الهام، هي وأخواتها: نجوى، حياة وأمل، في عالم التربية وتعليم الأدب واللغات: علماً أن السيدة إلهام حائزة على إجازة في اللغة الفرنسية وآدابها من الجامعة اللبنانية في زحلة، وعلى ماجيستر في الإدارة التربوية Gestion scolaire من جامعة الروح القدس، الكسليك.
نَذَرَتْ المربية إلهام حياتها للتربية والتعليم، وتفانت في عطائها خلال مسيرتها «فزرعت بسخاء وحَصَدَت بسخاءً، حَصاداً وفيراً من المحبة والوفاء والإحترام وعرفان الجميل. «هذا هو التكريم الحقيقي، وهذا هو الوِسام الذي أُفاخِرُ وأَعتزُّ به».
ثلاثة وأربعون سنة، قضتها المربية إلهام الزناتي ما بين التعليم وتنسيق اللغة الفرنسية وآدابها، في ثانويات وجامعات زحلة والبقاع - الكلية الشرقيّة، ثانوية راهبات القلبين الأقدسين الراسية، ثانوية مار روكز رياق، الجامعة اللبنانية الفرع الرابع - زحلة، جامعة القديس يوسف ضهور زحلة، وجامعة الروح القدس، الكسليك - ومسؤولية الفرع التكميلي ثم الثانوي لمدة عشر سنوات في ثانوية القلبين الأقدسين- الراسية. وقد عُرِفَ عنها إيمانها الذي لا يتزعزع بالطالب وبقدراته، ومدافعتها الشرسة عن التلاميذ الذين يحملون صعوبات تعلّمية، والوقوف إلى جانبهم حتى يصِلُوا إلى بَرِّ الأَمان.
- ماذا تعني زحلة للسيّدة إلهام معلوف الزناتي؟ لماذا إسم زحلة بالذات يملأ الدنيا ويُشغِلُ الناس؟
زحلة تعني لي بالدرجة الأولى، العائلة والأهل والجيران والأصدقاء، وكل ذكريات الطفولة والصبا... فرغم كل التقلّبات الإجتماعية تبقى زحلة متمسِّكة بقيم العائلة والجيرة والضيافة والصداقة الحقيقية. فكل عيد هو مناسبة للقاء العائلة والأصدقاء، واللقاء لا يكتمل الا بالتحلّق حول مائدة غنيّة بالمازة الزحلية والأطباق الشهيّة والعرق، «حليب السباع» كما يسمّيه الزحالنة، والحلويات العربية... فزحلة قد حازت من الــــ UNESCO على لقب «زحلة مدينة عالمية للتذوّق» سنة 2013.
والزحالنة تفوَّقوا في كلّ الميادين، لا سيّما في ميدان الأدب والشعر. فزحلة عُرِفَتْ بعاصمة الشعر العربي، ولا مجال هنا لذكر الشعراء والأدباء الذين جعلوا من زحيلتهم بلدة الحسن وكوخ الشعر بل سوق عكاظ:
«زحيلتي موطِن الشعراء طُرّاً وسوق عُكاظِها الوادي الظليلُ»
فإن رأيت زحلياً ولم يَقْرُضِ الشعر أو يُرسِلُ النكتة الطَّريفة الكاريكاتورية، قُلْتَ إنه لأمرٌ غريب. وربّما هذه الظاهرة الشعرية الفريدة، هي التي طغت على سائر الفنون الجميلة والميادين الأخرى. فزحلة غنية أيضاً بالفنانين الكبار الذين أبدعوا في مجال الرسم والنحت والغناء والطرب الأصيل والموسيقى والفُكاهة والإخراج والرقص .... وبالصحافيين والإعلاميين اللاّمعين مما يصعب إحصاؤهم. ولن ننسى تلفزيون زحلة، ودوره الريادي في نقل صورة زحلة المشرقة إلى العالم بفضل همّة صاحبه الفنان والمخرج المبدع جوزف شعنين .
او تسألون بعدُ لماذا زحلة؟
زحلة مقلع الرجال الأبطال الذين يتحدّون اقدارهم معاندين.... لأنهم لايرضون إلّا بالحق والحرية والجمال ينشرونه في أصقاع الأرض. فالزحالنة عُرِفوا بعنفوانهم وغَيرتهم على بعضهم وحتى على الغريب، لايرضون إلاّ بالأسمى والأعلى والأنبل على حدّ قول الشاعر شفيق المعلوف:
سائل زحُيلَةَ لا جَفَّت دواليها
أَيُّ العناقيد لم يعصر لنا فيها
تَرقَى الروابيَ والأكبادُ طامئةٌ
لا نشرَبُ الماءَ إلاّ من أعاليها
الحديث عن زحلة لاينتهي فزحلة هي الوادي، والمقاهي المنتشرة على ضفاف البردوني، والتي كانت ومازالت مقصداً للسيّاح والمغتربين والشعراء. وزحلة هي مدينة الكنائس، مدينة الإيمان، ففي كل حي تجدُ أكثر من كنيسة واحدة وأكثر من مزار، وإحدى رموز مدينة الشعر هو تمثال العذراء مريم الرابض على تلة من تلالها. زحلة هي أيضاً مدينة الكرمة التي تملأ كرومها ومدينة الخمر وقد ازدهرت صناعة الخمر في الآونة الأخيرة وغزا الخمر الزحلي الأسواق العالمية.
إلى جانب إنشغالها واهتمامها بالحقل التربوي والثقافي، تحمِلُ السيّدة إلهام حُباً واندفاعاً لامثيل لهما للحياة الإجتماعية والخدمة الإجتماعية. فهي منسِّقة لجمعية «بيروت مارثون» التي ترأسها السيدة مي خليل، ونائب رئيسة «أمسيات زحلة الدولية» التي ترأسها السيدة ماكدا بريدي رزق، ومندوبة في جمعية LABORA التي أسَّسها الأب انطوان خضرا، وناشطة في عدة لجان وجمعيات لايتّسِع المجال هنا لذكرها.
إنها تؤمن بالمرأة الزحلية واللبنانية وبقدرتها على تغيير المجتمع، فروح المبادرة، والجرأة في إتخاذ القرار، والصبر على المحن، والمثابرة، وروح التضحية والمسؤولية، والقدرة على التواصل الإيجابي... كُلُّها صفات تجعل من المرأة صانعة القرار والتغيير. وكم من امرأة غيرت وجه العالم على مرّ السنين؟
أمَّا عن سر النجاح في الحياة الإجتماعية، فهو حسب المربية إلهام الصدق والشفافية والإحترام، فبهذه القيم فقط يستطيع الإنسان أن يَحْصَلَ على أثمن وأهم شيء، الا وهو ثقة ومحبة وتقدير الناس.
¡ ماهي الرسالة التي تريد السيدة إلهام ان توجهها إلى شباب وشابات زحلة؟
العودة إلى الجذور والتمسك بأرضهم ووطنهم الذي هو بحاجة ماسّة إليهم: والمحافظة على تراث زحلة الثقافي وعلى العادات والقيم والتقاليد الجميلة التي ورثناها من أجدادنا.
«لا تسمحوا للظروف الصعبة التي يَمُرُّ بها وطننا الحبيب لبنان، أن تقتُلَ لديكم من أمل في مستقبل هذا الوطن الغالي، وعلى أمل بزوغ فجر جديد نردد مع الشاعر رياض معلوف:
«... فيا وطني، فديتُكَ بالغوالي
وما فِي الكون عندي منك أغلى
وحيث نسير في الدنيا، رفعنا
لنا علماً على الدنيا تَدَلَّى
فنحن الحرف والمجاذف منا
والمعُ من عليه الدهرُ دلَّ
تحرير: وائــــل خـلــيــــــل
Recent comments