المراجعة والتذكر والنسيان.... الدكتور ميلاد السبعلي
تشير الأبحاث البيولوجية والتربوية، أن أية معرفة جديدة يطّلع عليها الانسان، سينسى معظمها خلال 30 يوماً تقريبا اذا لم يقم بمراجعتها.
وفي كل مرة يقوم بمراجعتها، بعمق وتركيز، فإنه سيراها من زوايا متعددة، ويعمق فهمه لها، فيقلّ احتمال نسيانها، او عدم تذكرها.
ويتوقع أنه إن راجعها بتركيز وتحليل، وتمرّس بها لعدّة مرات، فإنه يصبح أكثر قدرة على الاحتفاظ بها وتذكر مفاصلها وابعادها وعدم نسيانها، ومع الوقت يستطيع مناقشتها ونقدها أو البناء عليها لتغيير الخطط والاستراتيجيات.
وتعتبر طريقة الصف المعكوس (Flipped classroom) في التعليم والتدريب، أي اطلاع المتعلمين على المعرفة مسبقاً من خلال محتوى الكتروني تفاعلي، أو بحث شخصي، ثم القيام، خلال جلسة الصف العادي او الافتراضي، بمناقشتها والتمرس بتطبيقها عملياً لحل المشكلات أو معالجة قضايا معينة، وبعد ذلك مراجعتها والمزيد من التمرس بها من قبل المتعلّمين بعد الصف، هي من الطرائق الفعالة لترسيخ التعلّم وتعميقه.
كما أن العقل الانساني يتعامل مع المعرفة الجديدة بحسب ما يختزن قبلها من معارف متشابكة، وكل فكرة جديدة يتم تشبيكها مع المعارف والمهارات الخبرات السابقة. فلو عرضنا نفس الموضوع المعرفي على شخصين، احدهم ذو خلفية معرفية غنية، والاخر مبتدئ أو لديه نسبة اقل من المعارف، وبالتالي من المفاهيم والخبرات وحتى المصطلحات والمعاني، فإن مستوى فهم الشخص الأول هو أهم بكثير من الثاني، وكذلك قدرته على الاستخدام الامثل للمفاهيم والمعارف الجديدة في حل مشكلات جديدة والربط مع مجالات اخرى بشكل ابداعي ومجدد وغير متوقع.
وعلى الانظمة التربوية اخذ ذلك بعين الاعتبار عند تصميم المناهج والدروس وعند تدريب المعلمين. كما على الاهل والافراد والجماعات أن يعلموا أن الاستثمار الأفضل هو في تنمية المعارف والمهارات والخبرات، وطبعا الالتزام بعقلية اخلاقية جديدة ذات قيم ومثل عليا متميزة. لأن هذا النوع من الاستثمار، حتى لو لم يكن له تأثير آني مباشر، او لم تجنَ منه اي نتيجة فورية، فهو عملياً إغناء للعقل البشري وتوسيع لمداركه، وتعميق لفهمه للكثير من المفاهيم والنواميس من حوله، وتطوير لقدرته على الملاحظة والتحليل والاستنتاج والابداع... وهذا سيعود على صاحبه بالكثير من الفائدة حكماً، ولو بعد حين.q
Recent comments