قصة نجاح “رافي مراد” في التغلب على الإدمان
ماذا تقول ليندا شكور، الخبيرة في علم النفس الإيجابي ومدربة على التأهيل من الإدمان
فيسبوك تويتر مشاركة عبر البريد طباعة
هنا قصة حياة رافي مراد، لتكون إلهامًا للشباب العالقين في دوامة الإدمان ويشعرون بعدم وجود مخرج منها.
رافي مراد شاب شجاع يبلغ من العمر 37 عامًا، قاتل من أجل النجاة والتغلب على إدمان المخدرات. قصته مؤثرة جداً وتحمل في طياتها الصمود والتحوّل الإيجابي.
بدأ رافي رحلته مع المخدرات في سن الثالثة عشرة، بتجربة سيجارة حشيشة. لم يكن يدرك في ذلك الوقت، السبب الذي دفعه للجوء إلى هذه التجربة. كان يعيش في بيئة عائلية قاسية، حيث كان والده يتمتع بشخصية صارمة، ويعاني التعنيف دون سواه من بين إخوته. هذه الضغوط النفسية دفعته للهروب إلى أحضان المخدرات، لكي يجد قليلًا من الراحة من الواقع المؤلم.
تدرجت مشكلته وتفاقمت مع الزمن، حيث بدأ رافي استهلاك مواد عديدة من المخدرات، مثل حبوب الهلوسة والماريجوانا، وانزلق في النهاية إلى الهيرويين وأنواع أخرى من المواد المخدّرة المدمّرة.
في سن الثامنة عشرة، بدأت حياته تنهار من حوله، حيث غاب الأمل والأحلام وظهرت مظاهر الانحراف والجريمة. لم يكن يفكر في الغد، كان يعيش في دوامة من السرقة والتحرّش الجنسي والتلاعب بأفراد عائلته للحصول على المادة التي يعتقد أنها تمنحه الهروب الوهمي من الواقع المرير. المصائب تلاحقت والسجن أصبح جزءًا من حياته، حيث دخل رافي الى السجن تسع مرات وخضع لخمس عمليات تأهيل. لكن حتى عندما سافر إلى بلدان أخرى في محاولة للابتعاد عن المخدرات، وجد نفسه عالقا في الحلقة الدائرية نفسها من التعاطي. كانت المخدرات تطارده أينما ذهب، وكان يستغل أي فرصة للحصول عليها وتخدير آلامه وهمومه.
كانت رحلته الشخصية في غمرة الخوف والتوتر، حيث كان يخاف من ردة فعل المجتمع ولاسيما والده القاسي. كان الكتمان مصدرًا للألم الإضافي وعائقًا أمام البحث عن المساعدة والدعم. ومع ذلك، حان الوقت الذي قرر فيه رافي أن يأخذ حياته بيديه، ويتخذ قرارًا لا رجعة فيه للاقتلاع من جذور إدمان المخدرات. وقعت هذه اللحظة الحاسمة على شاطئ قبرص، حيث كان يعيش مشردًا لسنوات، من دون مأوى أو ملجأ، حتى شعر بأنه يستحق حياة أفضل وأكثر كرامة، حيث لا مكان للانتقاد والنظرة السلبية.
عند عودته إلى لبنان، قرر رافي البحث عن مركز تأهيل يساعده على تجاوز إدمانه والتحوّل إلى حياة جديدة. بدأت رحلة العلاج الطويلة والصعبة، وتطلبت الكثير من القوة والإرادة. خضع لعمليات تأهيل مكثفة، وتعلم كيف يواجه تحديات الحياة بدون الاعتماد على المخدرات. ولم يتوقف رافي عن القتال، حتى استطاع أن يتخلص بشكل كامل من السم الذي سمم حياته لسنوات طويلة.
اليوم، يقف رافي كمصدر إلهام للآخرين. يعمل مع تلك الجمعية التي ساعدته على استعادة حياته. إنجازاته الشخصية والمهنية جعلته فخورًا بنفسه وبالطريقة التي تغيّرت بها حياته. يعرف قيمة الحياة بدون المخدرات ويسعى جاهدًا لمساعدة الآخرين على العثور على طريقهم نحو الشفاء والتغيير.
شهادة حياة رافي تعلم أنه مهما كانت الصعوبات التي تواجه الحياة، فإنّ هناك دائمًا فرصة للتحول والنمو. قد تكون الطريق صعبة ومليئة بالتحديات، لكن بالإرادة والدعم المناسبين يمكن تغيير مسار الحياة والعيش بحرية وسعادة. رافي هو شاهد حيّ على القوة الإنسانية وقدرتها على التغلب على الصعاب وبناء حياة جديدة تستحق الاحترام والتقدير.
مقابلة مع ليندا شكور، الخبيرة في علم النفس الإيجابي ومدربة على التأهيل من الإدمان
في هذا السياق، التقى موقع Lebanese daily الخبيرة في علم النفس الإيجابي ومدربة على التأهيل من الإدمان ليندا شكور، فأشارت الى ان خبرتها الطويلة في محاربة تلك الآفة ساهمت في علاج عدد كبير من المدمنين، التي تضمنت العلاجات النفسية وفهم حالاتهم، والتي تسهل بدورها مع وسائل العلاج الجسدية الأخرى، لشفائهم وتخلص اجسامهم من آثار المخدرات.
وأوضحت ان المدمنين يتلقون في المرحلة الأولى علاجات خاصة في المستشفيات تساهم في تخلّصهم من سموم المخدرات، قبل التوجه الى مركز التأهيل، حيث يمكثون فيه قرابة السنة، ومن ثم تتم متابعتهم لمدة ثلاث سنوات.
إلا أن شكور اشارت في المقابل الى ان نسبة نجاح علاجات المدمنين تتراوح ما بين 6 – 8 في المئة فقط، وهذا كله يعود بحسب قولها “الى المواد التي تم تعاطيها، وكذلك تفاعل الشخص ومدى استعداده للعلاج والدائرة الشخصية المحيطة به”. وعن دور المجتمع في عملية شفاء المدمن، شددت على أهمية تقبل هذا المجتمع للمدمن وعلى ضرورة الابتعاد عن أي تنمر في حقه. وقالت: أحياناً قد يشفى المدمن ويتخلص بشكل تام من آفة تعاطي المخدرات، إلا أنه قد يواجه في مجتمعه نظرات من حوله، أو حتى إشاراتهم السلبية الى شخصه، مما يؤدي في كثير من الأحيان الى نوع من الانتكاسة لدى هذا الشخص، مؤكدة ان نسبة شفاء المدمنين سترتفع في حال غيّر المجتمع نظرته “التي لا ترحم” إليهم.
ودعت شكور هذا المجتمع الى “تغير نظرته الى المدمن واعتباره شخصاً موجوعاً ومريضاً يحتاج الى الدعم، فلا أحد منا يختار المخدرات إلا إذا كان يعاني من الوجع والصدمات في حياته، من ضمنها المشاكل والأزمات العائلية”. ورداً على سؤال عن انواع المخدرات، أشارت الى انها تتوزع على أنواع عدة، منها الهيرويين والكوكايين والحشيشة والكحول وبعض أدوية السعال والحبوب، وغيرها من الأصناف التي تؤذي الصحة العقلية للمتعاطين، لا سيما إذا تمّ المزج بين عدد من الأنواع الذي يؤدي الى تأخر العلاج.
وأوضحت شكور أنهم في مركز العلاج لا يتطرقون مع المدمنين الى اسماء او هويات مَن يزودونهم بالمواد المخدرة، معتبرة ان تلك المهمة تقع على عاتق القوى الأمنية دون غيرها.
وأبدت تخوفها من أن مسألة الادمان على بعض أنواع المخدرات اصبحت طبيعية في وقتنا الحالي، لدرجة اننا أصبحنا نسمع بأنها باتت توزع في بعض المدارس والجامعات والحفلات، وكأنها باتت شيئاً طبيعياً لدى فئة الشباب.
وحذرت من ان الآفة في لبنان باتت اليوم تتجه نحو أعمار صغيرة لا تتعدى الـ 11 سنة، كاشفة ان تلك النسب أخذت في الارتفاع لا سيما بعد فترة كورونا وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والاغاني التي تمجد المخدرات والألبسة التي طبع عليها رسومات لها علاقة بالمخدرات والموجهة كلها الى الجيل الناشىء. ودعت شكور كل من يعاني من أزمة نفسية الى اعتماد الطرق الطبية لعلاج حالته وتجنب اللجوء الى أي نوع من المخدرات، معتبرة أن الرياضة هي الوسيلة الفضلى للتخفيف من أي ضغط نفسي.
يشهد لبنان زيادة مستمرة وبوتيرة سريعة في أعداد مدمنين المخدرات، ولاسيما بين فئة الشباب والطلاب. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يحتل لبنان المرتبة الثالثة كأكبر منتج للحشيشة في العالم، بعد أفغانستان والمغرب. بسبب غياب إحصاءات رسمية عن تعاطي المخدرات في لبنان، يُقدر أن نسبة الزيادة في عدد المدمنين تصل إلى حوالي 400٪ وفقًا لتقديرات جمعية “جاد”.
تشير الإحصاءات والدراسات المختصة إلى أن حوالي 60٪ من المتعاطين ينتمون لفئة الأعمار من 11 إلى 35 عامًا. وأصبحت زيادة نسبة المدمنات والمروجات للمخدرات في لبنان ظاهرة واضحة، حيث وصلت نسبة النساء المدمنات أو المروجات للمخدرات إلى حوالي 20٪، مقارنة بنسبة 4٪ في السابق.
التحدي اليوم ليس فقط في مكافحة شبكات تجار المخدرات والمروجين، بل أيضًا في فهم حقيقة أن مشكلة ادمان المخدرات تواجه أي شخص في المجتمع، ويجب إدراك أن الإدمان هو مرض وليس جريمة. المدمنون يعانون حالة مرضية تتطلب العلاج والرعاية اللازمة. لذلك، يجب تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة والتخلص من الأفكار السلبية التي تؤدي إلى استمرار الأشخاص في دوامة الإدمان والبقاء في الظلام.
يتطلب كسر الحواجز بين المجتمع وبين المدمنين، وتغيير النظرة السلبية تجاههم. وذلك يمكن تحقيقه من طريق تقليل التحكم المسبق، وتقديم المزيد من المساعدة والدعم، وتوجيههم نحو سبل العلاج المناسبة. يجب العمل سويًا لتوفير بيئة داعمة ومعاملة إنسانية للمدمنين، حتى يتمكنوا من الشفاء وإعادة بناء حياتهم بشكل إيجابي.
Recent comments