في المشهد الحزبي الأردني.. مآخذ تستحق المناقشة
كتبت د. آمال جبور
نقاشات حزبية نشطة يشهدها المجتمع الأردني منذ مدة وازدادت في هذه الأيام، اذ تتجاذبها مواقف مختلطة بين الإيجابية والسلبية، والواثقة وغير الواثقة، لبناء مناخات حزبية تتماشى مع التحولات المعيشية المختلفة، و انعكاسا ًلتصورات سياسية متعددة لرؤية الدولة الأردنية في تحديث منظومتها السياسية، وما تبعها من تعديلات لقانون الانتخاب والأحزاب.
وفي داخل هذه المناخات تتعدد المصالح في هوية الأحزاب، نلمح الجهوية والمناطقية والايدولوجية والمشارب السياسية المختلفة، والملفت اصطفافات للشباب الواعي لدوره بالتنمية والتحديث، ليشكلوا حالة جديدة تتحدث بذاتها وهمومها وتطلعاتها كطبقة تؤمن بأهمية الانخراط في الاحزاب كمؤسسة سياسية قادرة على انتاج خطاب عقلاني نحو التفاعلية والتشاركية وتحقيق العدالة والمساواة في مواجهة قوى اجتماعية وسياسية وايدولوجية نزعت ومازالت إلى الاستبداد والتسلط لمكونات اجتماعية تعاني السطوة والتهميش .
حيث نشطت خلال الاشهر القليلة السابقة تشكيلات حزبية مشخصنة تسارعت في الظهور بشكل ملفت، فغاب بذلك الجوهر الحقيقي لماهية تشكيل الأحزاب، والذي يعبر بالضرورة عن هموم ومصالح تكوينات اجتماعية، لنرى الحالة الشبابية ملفتة بعض الشيء ككتلة كبيرة في المجتمع تجمعها هموم وتطلعات تدفعها لتبوء مكان الصدارة في السياسة الحزبية كقوة ضاغطة ومؤثرة.
ولعل هذا المشهد الحزبي الأردني يقودنا إلى جملة من التساؤلات المشروعة، حيث البيئة الحوارية الآن تتصاعد حريتها كأداة جاذبة لإنجاح التجربة بعد إنقطاعها لعقود، لتصبح الدولة واجهزتها أمام تساؤلات بعضهم حول ثنائية دورها الداعم للأحزاب من جهة، وسطوتها على النقابات المهنية وافشال دورها اخيرا من جهة أخرى، وهنا يتساءل كثيرون، هل ستضمن الأحزاب حرية وجودها الحقيقي وتحقيق أهدافها مقابل ما عجزت عنه النقابات المهنية ؟
وعلى أطراف الحماس الشبابي الحزبي، يتردد في مساحاتهم النقاشية تساؤلات تتسع وتضيق كلما استحضر التاريخ قيوده الحزبية العالقة في الاذهان لسلطة الدولة واجهزتها الأمنية، في إمكانية تحقيق ذاتهم بعيداً عن قيود الدولة وسطوتها التاريخية للمتحزب!
لتبدأ قواعد اللعبة الديمقراطية بمربع الدولة الحاضن للمناخ الحزبي بتعديلات قانونية واستراتيجيات تعليمية متعددة لترسيخ الثقافة السياسية والحزبية في الفكر الشبابي، ليمتد السؤال تلو السؤال للطرف النقيض الاواثق من هذه التحولات لتتصاعد التساؤلات حول
من يشكل من؟
هل الدولة هي من تقوم بهندسة الأحزاب الجديدة وتشكيلها على قياسات واعتبارات معينة، ام ان الأحزاب تتشكل بمحض ذاتها ومصالحها السياسية والاقتصادية والمهنية والعمالية والفكرية و الحياتية؟
وفي احتفاليات حزبية يتصاعد حضورها اخيرا تقدم أغلبية الأحزاب نفسها، أنها وليدة ذاتها وقضاياها، وبعيدة عن أي هندسة او سطوة ، ولربما تكون كذلك ! لكنها في الوقت نفسه تبوح وبخجل بتشاركية الدولة لا التشابك معها لتحقيق مصالحها وأهدافها المستقبلية والتي يعتليها وصول الأحزاب لحكومات برلمانية قادمة كأعلى هدف، لنصبح هنا أمام سؤال بعضهم، هل هذا العقل الحزبي الذي ننتظره قادم الأيام؟
عموماً، و بالرغم من إحدى وجهات النظر الفلسفية التي تقول ان اختلاف المصالح بين فئات المجتمع ، هي البذرة الأساسية لتشكيل احزاب تعكس همومها، فإنها وبالضرورة ستشتبك بالدولة وتصطدم بها وباجهزتها َ لتحقيق أهدافها، وهذا الاصطدام يشكل قوة للدولة في خلق توازنات بين القوى الاجتماعية المتصارعة فتكون هنا الدولة بذاتها و بأعلى مراتبها، فيما تصبح دولة الوسيلة اذا انحازت لمصالح سلطة سياسية او اقتصادية او ايدولوحية أو غيرها.
الا اننا و بكل حالات الدولة وعقلها، نحن بحاجة في المشهد الحزبي الأردني لقفزة على رأي المفكر المغربي عبدالله العروي لتشكيل حالة حزبية ناجحة نتجاوز بها حاجز تراكم تأخرنا وفواتنا لحياة سياسية قائمة على إنتاج
مؤسسات حزبية حقيقية و منتجة لقيادات وبرامج واستراتيجيات إصلاحية، وليست لمجموعات تجمعها علاقات وتصورات سياسية نفعية خاصة بها.
كاتبة اردنية
Recent comments