عام قبل الاصطدام.. انفاق ثلاثي للدولارات بقلم د. شادي مسعد
بعد اقرار البطاقة التمويلية في مجلس النواب، والبدء في تنفيذ التعميم 158، والاستمرار في سياسة الدعم، ولو ضمن الترشيد غير المعلن، من المرجّح ان يتم تمرير العام 2021، وربما النصف الاول من 2022 في ظروف ستبقى مقبولة بالنسبة الى المواطن، بفضل الدعم الذي سيتأمّن له عبر الثلاثية التالية: البطاقة، الدعم واعادة الودائع..
هذه المعادلة التي تبدو للوهلة الاولى منصفة في حق المواطنين الذين يواجهون ظروفا معيشية قاسية جدا بدليل ان تقرير منظمة الونيسف أفاد بأن 77% من العائلات اللبنانية باتت عاجزة عن تأمين كفايتها من المواد الغذائية، تنطوي على مخاطر الانهيار الشامل بعد انقضاء هذا العام، وانكشاف البلد على نفاذ الاحتياطي بالدولار، والوصول الى مرحلة المجاعة الفعلية.
ومن خلال الخطوات التي يجري اتخاذها في هذه المرحلة يتبيّن بما لا يقبل النقاش، ان الانفاق من الاحتياطي الالزامي يتم على قدم وساق، بطرق واساليب مختلفة، وتحت مسميات متنوعة. هذا التوصيف ينطبق على ما جرى في موضوع دعم المحروقات والفيول للكهرباء، اذ نجح مصرف لبنان في انتزاع تواقيع رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال للانفاق من الاحتياطي. وهكذا تغيرت التسمية من دعمٍ كان يقدمه المركزي من دون طلب توقيع رسمي من السلطة السياسية، الى قرض قدمه مصرف لبنان الى الدولة اللبنانية بناء على مندرجات المادة 91 من قانون النقد والتسليف. لكن النتيجة واحدة، وهي استمرار الانفاق من الاحتياطي المتبقي من اموال المودعين.
وهذا الوضع ينطبق على موضوع البطاقة التمويلية التي أقرها مجلس النواب، وأحالها الى الحكومة لرسم الآلية التنفيذية. وقد اعتبر الامر بمثابة رمي كرة النار في وجه الحكومة التي عليها ان تختار طرق التمويل، في حين ان مجلس النواب قرر عدم المس بالاحتياطي، لكنه وافق على فتح اعتماد بالدولار لتمويل البطاقة وهو يدرك ان لا دولارات في الدولة خارج اطار الدولارات الموجودة في مصرف لبنان. وبالتالي، اعتبر الامر بمثابة تحايل غير منطقي، اذ من اين ستموّل الحكومة البطاقة في هذه الحالة؟
في الواقع، النواب الذين أقروا قانون البطاقة، وأبقوا باب التمويل مفتوحا، وحذّروا من المس بالاحتياطي يدركون ضمناً ان التمويل سيتم عبر الاحتياطي. حتى لو سلمنا جدلاً انه سيتم استخدام الاموال التي قد يتمكن لبنان من سحبها من صندوق النقد الدولي في نهاية آب المقبل، وهي ما يعرف بالـ(SDR)، فان هذه الاموال مخصّصة في الاساس لتغذية احتياطي المركزي، وبالتالي استخدامها يعتبر شكلا آخر من اشكال الانفاق من الاحتياطي الذي لم يعد واضحا كم تم الانفاق منه حتى الان، خصوصا في ظل قرار خفض نسبة الاحتياطي الالزامي من 15 الى 14%.
في الموازاة، سيضطر مصرف لبنان الى انفاق حوالي مليار دولار لتغطية نصيبه من عملية تنفيذ مندرجات التعميم 158، الذي يقضي بردّ ودائع الى مساهمين صغار.
كذلك سيواصل مصرف لبنان عملية دعم المحروقات والادوية والطحين والفيول، ضمن سياسة ترشيد غير معلن تقضي بخفض كمية الاموال المرصودة لهذا الدعم. هذا الغموض في الترشيد يسري على المحروقات التي كانت تستهلك بكل فروعها (بنزين، فيول، مازوت، غاز) حوالي 3 مليارات دولار سنويا، في حين يأمل مصرف لبنان خفض هذا المبلغ الى النصف تقريبا. لكن خفض دعم الدواء صار معلنا بعد الاتفاق الذي تم في قصر بعبدا، والذي نص على خفض فاتورة دعم الأدوية من مليار و200 مليون دولار في السنة، الى حوالي 300 مليون دولار. اما الطحين، فان حجم دعمه سيستمر كما هو، والذي لا يتجاوز الـ150 مليون دولار.
من خلال هذه المشهدية، يمكن الاستنتاج ان المواطن لن يشعر بوطأة الأزمة الحقيقية قبل عام من اليوم. اذ ان الاوضاع المعيشية على صعوبتها ستبقى مقبولة، خصوصا في ظل استمرار تسعير خدمات القطاع العام على دولار 1500، مثل الاتصالات وتسجيل المعاملات، والكهرباء وسواها من الخدمات التي تشكل حوالي 35 الى 40% من مجموع سلة الانفاق العائلي. وعندما يتغير سعر هذه الخدمات، وتنضب اموال الاحتياطي التي تستخدم لكل انواع الدعم، عندها سيدرك المواطن ما هي التداعيات الحقيقية للأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة في لبنان. وهذا الموعد لن يكون قبل سنة.
واذا استمرت الاوضاع ماضية كما هي اليوم، فان الموعد مع الكارثة سيكون ثابتاً، اما اذا تغير المشهد السياسي، واستتبع ذلك بتغيير دراماتيكي في الاجراءات المطلوبة مالياً واقتصادياً، عندها يمكن الحديث عن امكانية تحاشي الاصطدام الكبير الذي يجري الحديث عنه منذ اليوم.
السهم
Recent comments