الحراك والحكومة وصفقة القرن
حبيب البستاني
كاتب سياسي
ربما هو من غريب الصدف أن تترافق التحركات الشعبية في كل من بيروت والعراق وطهران مع ما آلت إليه الأمور السياسية والاستراتيجية في المنطقة، وما تم إعلانه عن البدء بتنفيذ صفقة القرن من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد كان لافتاً مشاركة بني غانتس زعيم أزرق ابيض المناوىء لليكود وغياب ممثلي الدولة الفلسطينية المعنية الأولى بهذه الصفقة، التي لم يجرؤ أي زعيم دولة عربية على المشاركة فيها.
في التوقيت
الانتخابات الأميركية الرئاسية ليست بعيدة إذ إنها ستجري في شهر تشرين الثاني 2020 في الوقت الذي يترافق فيه انخفاض شعبية ترامب مع محاولة الديمقرطيين عزله عبر مايعرف بال " impeachment act "، وهكذا يبدو المشهد الأميركي، رئيس يواجه متاعب حقيقية ليس فقط لناحية عدم قدرته على التجديد لولاية ثانية بل ربما عدم قدرته على الاستمرار بولايته، كل ذلك يحتم واحداً من اثنين إما شد العصب الآميركي وإما استقطاب جماعات جديدة لتأييده وربما الإثنين معاً.
لقد استطاع ترامب شد العصب عبر عملية تصفية قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وها هو يريد استقطاب الناخبين اليهود بإعلانه وبصورة أحادية عن صفقة القرن والبدء بتنفيذها.
من جهة ثانية لقد اصطحب نتنياهو خصمه اللدود بني غانتس للدلالة ليس فقط عن الامتنان الكبير لترامب إنما للقول أن كل اليهود لا سيما الأميركيين منهم سيقفون إلى جانبه في الانتخابات المقبلة، وهذ ما كان يفعله أسلافهم إبان الأزمات الكبرى التي كانت تمر بها دولة إسرائيل في مختلف الحروب من حرب الأيام الستة في حزيران ال67، إلى حرب تشرين وغيرها وغيرها حيث كانت الولايات المتحدة تلعب الدور الأساسي في حماية الدولة العبرية وحيث كان اللوبي الصهيوني يبادل الرئيس الأميركي التأييد في المقابل.
إن صفقة القرن لا تشكل فقط بالنسبة لإسرائيل استكمالاً لوعد بلفور، إنما تؤمن الاطمئنان والطمأنينة للدولة العبرية لعقود وعقود، فترتاح من الخطر الديمغرافي المحدق بها من طريق توطين فلسطيني الشتات حيث هم، وتؤمن الحدود الآمنة بحيث تقتطع أراضِ إضافية من أراضي الدولة الفلسطينية وصولاً إلى مرتفعات الجولان السورية، وكذلك تؤمن البعد التلمودي لإسرائيل بحيث تنتهي من حدود ما قبل ال67 بعدما كانت قد انتهت من حدود ال 48، وتصبح القدس عاصمة إسرائيل الأزلية، كذلك فإن الصفقة تقتطع جزءاً من الضفة الغربية حيث المستوطنات التي قامت ببنائها إسرائيل والتي تعتبرها معظم دول العالم غير شرعية، فيما الولايات المتحدة سبق وأعلنت شرعيتها في تشرين الثاني من العام المنصرم، وبالتالي فإن الصفقة ستشرعن عمليات الاستيطان العشوائية والمخالفة لأبسط قواعد القانون الدولي.
الحراك والصفقة
إن القراءة الجيدة والموضوعية للأحداث لا تبدأ من حيث المنطلقات إنما من حيث النتائج التي وصلت إليها، وهكذا وكما في العلم الجنائي فإن وجود المستفيد يبرر في معظم الحالات حصول الجريمة، وهكذا فإن الحراك قد بدأ فعلاً بمطالب معيشية محقة نابعة من وجع الناس ومعاناتهم الاقتصادية والاجتماعية، إنما السؤال الذي علينا طرحه هو هل فعلاً بدأ الحراك أو الثورة من مطالب لا يختلف اثنان على أحقيتها أم إن البعض استغل الوجع والفقر والجوع ليرضي أجندته السياسية؟ وكيف نفسر أن التحركات التي بدأت هي نفسها في بيروت وبغداد وطهران، والمطالب السياسية هي نفسها؟ بدأت من نفس الوجع وانتهت إلى نفس المطالب، فبقراءة بسيطة نرى مثلاً ان الحراك في العراق أعرب عن عدم رضاه عن تكليف رئيس الحكومة الجديدة كونه غير مستقل وكونه كان وزيراً سابقاً، وفي بيروت الخلاصة نفسها أما في طهران فالأمور اختلفت لعدة أسباب ليس آخرها أن الجمهورية الإسلامية هي دولة دينية بالكامل.
عملية إلهاء كبيرة
هكذا يتبين أن الراعي الأميركي لصفقة القرن أراد شل الشعوب العربية لا سيما في دول الممانعة كي لا تقوم بردات فعل كبيرة عليها، وقام هذا الراعي باستعمال أدواته ونفوذه في هذه الدول للبدء بعملية إلهاء كبيرة تهدف إلى تصوير الناس كمجموعة من الفقراء والمعوزين ضرب بها الجوع، وأصبحت عاجزة عن إدراك الخطر الحقيقي المحدق بها والذي يتجاوز المعضلة الاقتصادية باشواط واشواط. فماذا ينفعنا إذا تم توطين الفلسطينيين في لبنان ومنع النازحين من العودة؟ وهل تنفع ال 6 مليارات دولار التي تشكل حصة لبنان من الصفقة؟ وماذا تعني 6 مليارات دولار في وقت أشار فيه التقرير الذي وضعته الأمم المتحدة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إلى أن كلفة النزوح وانعكاساتها تجاوزت ال20 مليار دولار على لبنان؟. هذا من الناحية الاقتصادية أما من الناحية الديمغرافية فإن التوطين وبقاء النازحين سيؤدي إلى اننفجار أمني ومذهبي في لبنان.
الرئيس صمام الأمان
ليس صدفة أن يقوم أكثر من زعيم وسياسي معروفو الولاء والهوى بعملية نقد لمواقف فخامة رئيس الجمهورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي نادى برفض التوطين وتكريس حق العودة وضرورة عودة النازحين، وقال هؤلاء بصريح العبارة أن ما ينادي به الرئيس هو فزاعة لا أكثر ولا أقل، بحجة أن الدستور اللبناني قد أشار في مقدمته برفض التوطين، فما هو موقفهم اليوم وهل استفاقوا من ثباتهم العميق بعد أن سمعوا ورأووا أن رئيس أكبر دولة في العالم ينادي بإبقاء اللاجئين في موقعهم وكذلك لا يفعل شيئاً لعودة النازحين؟
لقد آن الآوان أن يتحد اللبنانيون ويضطلعوا بواجباتهم الوطنية ويتعظوا من النكبة التي حلت بفلسطين ليقفوا صفاً واحداً إلى جانب رئيس البلاد بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة للاستبسال في الدفاع عن وطنهم ودرء الأخطار الكيانية المحدقة به. وهنا لا بد من ترداد الكلمة التي أنهى بها فخامة الرئيس خطابه الرافض لصفقة القرن أمام مؤتمر القمة العربية في العام 2017 " اللهم أشهد أني بلغت".
Recent comments