الفاتيكان يدوّل الأزمة.. ماذا ستكون النتيجة؟ بقلم د. شادي مسعد
احتل المشهد الطرابلسي المتفجّر صدارة الاحداث هذا الاسبوع، نظرا الى خطورته، ولكونه مؤشرا على احتمالات تفجير الوضع برمته، وانكشاف البلد على مخاطر التفلّت الامني. وشعر اللبنانيون بالقلق والرعب وهم يتابعون المواجهات في عاصمة الشمال بين الجيش والغاضبين «المسلحين» في الشوارع.
على المستوى السياسي، لم يطرأ اي تطور يمكن الاستناد اليه للقول ان تغييرا ما قد تحقّق، لكن الحدث جاء من خارج الحدود، وتحديداً من الفاتيكان بمبادرة من البابا فرنسيس الذي خصّص يوما للصلاة والتأمل من اجل لبنان، وألقى في المناسبة كلمة أنّب فيها السلطة السياسية في لبنان، على غرار ما فعل قبله زعماء عالميون، في مقدمهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
الى ذلك، سجّل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مفاجأة من العيار الثقيل، من خلال طلب قاضي التحقيق في الجريمة رفع الحصانات عن نواب ووزراء وأمنيين، بالاضافة إلى طلب استجواب رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب.
على المستوى الحياتي والمعيشي، استمرت أزمة المحروقات قائمة، رغم رفع الاسعار بنسبة 30 في المئة. في الموازاة تم اقرار البطاقة التمويلية في مجلس النواب، لكن الشكوك ظلت قائمة في امكانية تنفيذ هذا المشروع. وتزامن اقرار مشروع البطاقة مع بدء تطبيق التعميم 158 الذي ينصّ على اعطاء المودعين ما يعادل 10 آلاف دولار في السنة، نصفها بالدولار النقدي، والنصف الآخر بالليرة.
نار طرابلس
بينما انتشرت مظاهر قطع الطرقات والتعبير عن الغضب الشعبي في مناطق عدة، كان مشهد الغضب في طرابلس مختلفا وأشد خطورة.
وقد انفجر الشارع الطرابلسي غضبا وخرج طرابلسيون الى الشارع، فقطعوا الطرقات وعملوا على اقفال المحلات التجارية والمطاعم.
هذا التحرك لم يأت بشكل سلمي، إنما ترافق مع إطلاق كثيف للنار داخل التبانة وخارجها، الأمر الذي أفرغ الشوارع من المواطنين، وانعدمت حركة السيارات كما خلت المدينة من أي مظهر للحياة الطبيعية فقط المسلحين والشباب على الدراجات النارية كانوا يجولون في الطرقات.
وقد واصل الجيش تحركاته في سبيل ضبط الوضع والحفاظ على الأمن، ورغم ذلك سُجّل تعدٍّ على عناصر الجيش ورميهم بالحجارة.
وفيما اكدت مصادر عسكرية ان وضع طرابلس تحت السيطرة والجيش سيبقى حاضرا على الارض ليمنع الفتنة ويقطع الطريق على اي محاولة لاعادة البلاد الى الـ75 مع الاخذ في الاعتبار معاناة الناس، اعربت اوساط سياسية عن خشيتها من امتداد نيران الاحتقان الطرابلسية الى سائر المناطق في ظل طابور خامس قد يكون دخل على الخط مباشرة لتغذية الفتنة ومسبباتها.
وعقب المشهد الطرابلسي المقلق، بادر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، الى اطلاق صرخة قال فيها «إن الشعب اللبناني لا يستحق أن يذل ويهان من اجل تأمين قوت يومه، ويضيع ساعات من عمره في الشوارع للحصول على الدواء والحليب لأطفاله وبعض الليترات من الوقود، ومقومات العيش الكريم التي من واجب الدولة تأمينها كحدٍ اقل لحياة مستقرة كي يعيش المواطن في أمن وأمان.»
وناشد دريان: «الجيش والقوى الأمنية اللبنانية ردع كل من يحاول الإخلال بالأمن في المناطق اللبنانية كافة، والضرب بيد من حديد منعاً من الوصول الى الأمن الذاتي الذي يرفضه الجميع، مع حفظ حق المواطنين في التعبير السلمي عن أوجاعهم، وننبه من أي تعرض للجيش هو تعرض لكل اللبنانيين الشرفاء الذين هم مع جيشهم حامي وطنهم».
وجاءت رسالة المفتي بمثابة دعم معنوي قوي للجيش، ولقطع الطريق على اي محاولة لتوريط طرابلس في الامن الذاتي.
لبنان في الفاتيكان
اذا كان المشهد السياسي الداخلي استمر على رتابته من دون ظهور مؤشرات على احتمال حصول اي خرق على مستوى تشكيل الحكومة، بدا المشهد الخارجي اكثر دينامية، لحماية لبنان ومنع انهيار بالكامل.
وبمبادرة من البابا فرنسيس، شهد الفاتيكان لقاء أطلق عليه «يوم التأمل والصلاة من اجل لبنان»، بمشاركة 10 من قادة مختلف الطوائف المسيحية في لبنان.
ونقلت معظم وسائل الإعلام العالمية الحدث الفاتيكاني في خطوةٍ أعادت تسليط الضوء الدولي على لبنان وأزماته، وذلك في رسالة أراد الفاتيكان توجيهها إلى عواصم القرار في العالم مفادها انّ لبنان يحظى باهتمامه ومتابعته ولن يسمح بانهياره وسقوطه، وهذا ما يفسِّر اللقاءات التي سبقت هذا الحدث، سواء اللقاء الأميركي – الفرنسي أو اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية واشنطن وباريس والرياض، لأنّ للفاتيكان تأثيره المعنوي الكبير دولياً، وهناك رغبة دائمة في التجاوب مع مساعيه.
وإذا كان من غير المتوقّع ان يُحرج هذا اللقاء المسؤولين المعنيين بتأليف الحكومة الذين ليسوا في وارد التلاقي على مساحة مشتركة من أجل إنهاء الفراغ في ظل تَبديتهم مصالحهم على اي اعتبار آخر، إلّا انّ هذا الحدث كفيل بتَزخيم مساعي عواصم القرار لتأليف حكومة وتوفير كل مساعدة ممكنة للشعب اللبناني.
وفي سياق الرسائل التي أراد البابا توجيهها، رسالة إلى اللبنانيين مفادها انه لو ترك كل العالم لبنان، فإنّ الفاتيكان سيبقى إلى جانبه ولن يسمح بأي تسوية على حسابه.
وكان البابا فرنسيس قد وجّه رسالة أمل الى اللبنانيين، داعياً إيّاهم الى ألا يحبطوا وطالِباً من قادتهم السياسيين إيجاد «حلول عاجلة ومستقرة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة”. ووجّه بعض السهام، كان أولها الى الطبقة السياسية اللبنانية مؤكداً أن لبنان «لا يمكن أن يترك لمصيره أو تحت رحمة هؤلاء الذين يسعون بلا ضمير إلى مصالحهم الشخصية»، وأنه «ليس هناك من سلام بدون عدالة». امّا ثاني هذه السهام فوجّهها الى دول أخرى متهمة «بتدخّل تعسفي»، قائلاً : «يجب الكف عن استخدام لبنان والشرق الأوسط لمصالح ومكاسب أجنبية». واكد انّ «لبنان بلد صغير عظيم لكنه أكثر من ذلك: هو رسالة عالمية للسلام والأخوة تنبثق من الشرق الأوسط».
الى ذلك، ستكون لليوم الفاتيكاني الطويل ارتداداته السياسية الإيجابية لجهة ان الإرادات الدولية ستتحرّك لإيجاد الحلول السياسية.
الحكومة والاعتذار
على مستوى تشكيل الحكومة، لم يطرأ أي جديد بينما الرئيس المكلف سعد الحريري لا يزال خارج البلاد. واعتبرت مصادر متابعة أن كل من بيدهم الحل والربط بقرار تشكيل الحكومة، يشيرون الى ان التواصل لحل ازمة تشكيل الحكومة مجمد في الوقت الحاضر، ولا توجد مؤشرات جدية لاعادة تحريكها قريبا، ربما لاعتبارات وظروف خارجية يتجنب البعض الاشارة اليها او حتى تأكيدها، والنتيجة بقاء لبنان بلا حكومة جديدة حتى اشعار آخر.
وأفادت مصادر سياسية مطلعة ان موقف رئيس الحكومة المكلف من الاعتذار وعدمه يتبلور بعد عودته من الخارج على ان الظرف والتوقيت متروكان له وحده مع العلم أن القرار الذي يتخذه يدرس تبعاته.
وقالت المصادر ان المخاوف من انعكاسات الاعتذار تكثر لأن ما لم ينضج حل عن الشخصية المرشحة بعد الاعتذار فان الملف الحكومي سيقفل من جديد.
مفاجأة انفجار المرفأ
على مستوى التحقيق في الانفجار في مرفأ بيروت، تم تسجيل مفاجأة يتردد صداها في الشارع، اذ قرر المحقق العدلي في الانفجار طارق البيطار ملاحقة نواب ووزراء وقضاة وقادة أجهزة أمنية.
وأحال البيطار إلى المجلس النيابي كتاباً يطلب بموجبه رفع الحصانة عن النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، والنائب نهاد المشنوق لملاحقتهم. كما صحّح الإدعاء على الوزير السابق يوسف فنيانوس بشأن طلب الإذن بملاحقته من نقابة المحامين في طرابلس.
كما أكّد البيطار على الإدعاء السابق بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب واستدعاه كما المذكورين من النواب والوزير فنيانوس إلى جلسات تحقيق تباعا، كما طلب البيطار من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي الإذن بملاحقة مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم ومن رئيس الحكومة الإذن بملاحقة مدير عام أمن الدولة طوني صليبا. وإدعى مباشرة على قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر وكل من العميدين المتقاعدين في مخابرات الجيش غسان غرز الدين وجودت عويدات.
وبشأن القضاة فأحال البيطار الملف إلى النيابة العامة التمييزية بحسب الصلاحية لإجراء المقتضى بشأنه.
كما وجّه البيطار إلى هؤلاء جناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل بالاضافة الى جنحة الاهمال والتقصير.
الوضع المعيشي
بقيت الاوضاع الحياتية ضاغطة وتمضي من سيء الى اسوأ. ورغم رفع أسعار المحروقات بنسبة 30%، استمرت ازمة الطوابير امام محطات الوقود قائمة. وذكرت المعلومات ان ازمة الشح ستتواصل لأنها ترتبط بسياسة يتبعها مصرف لبنان لتخفيف استهلاك الوقود، وخفض الانفاق من الاحتياطي لديه.
الى ذلك، أقر مجلس النواب مشروع البطاقة التمويلية لدعم العائلات الاكثر حاجة. وكان من الملاحظ سؤال غالبية النواب الذين تحدثوا في موضوع البطاقة التمويلية عن كيفية تمويل هذه البطاقة والتحذير من المس بودائع النّاس. وفي المحصلة، صوّت المجلس واقرّ المشروع مع فتح اعتماد بقيمة 556 مليون دولار.
أخيراً، باشرت المصارف نهاية الاسبوع تنفيذ التعميم 158 الذي اصدره مصرف لبنان، والذي ينص على المباشرة في اعادة الودائع الدولارية الى اصحابها بمعدل 400 دولار نقدا في الشهر وما يوازيها بالليرة.
السهم
Recent comments