خاص برايفت ماغازين: نقيب أصحاب المهن والحرفيين في البقاع جورج داود: نسير بخطى واثقة نحو الإفلاس
إنّه الزمن الأسود في لبنان بكلّ معنى الكلمة، فالمأساة تطرق باب اللبنانييّن وتلاحق باب رزقهم من دون رحمة. ففي زحلة، مدينة المِهن والمصالح الصناعية والحرفية، يتّخذ المشهد منحىً دراماتيكياً بظلّ تردي الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة والصحية وأزمة كورونا المستجدة في البلاد. فالإحباط بدأ يسيطر على أصحاب المصالح والمؤسسات رغم أنّهم لم يتوقّفوا عن المكافحة من أجل الصمود في معركةٍ يخوضونها وحدهم، بما ان دولتهم وكما بات واضحاً لا تكترث لمعاناتهم ومشاكلهم المتفاقمة.
فمسلسل إقفال المؤسسات يمضي من دون توقّف. إذ مع بزوغ كلّ فجرٍ جديدٍ تغلق مؤسسة جديدة أبوابها في سيناريو مبكي يتكرّر في مختلف المناطق اللبنانيّة.
جورج داود، وهو النقيب المكافح يتحدث بحرقة عن وضع أصحاب المهن والحرفيين في البقاع وزحلة تحديداً. فهو أمضى سنين عمره يناضل من أجل تطوير هذا القطاع وتأمين أفضل ظروف للعاملين فيه، إيماناً منه بفعاليّته وإنتاجيّته العالية، فهو يشكّل رافعة مهمّة للإقتصاد الوطني.
أسرة مجلتنا إلتقت النقيب داود للإضاءة على هذا الجانب من مدينة زحلة، وكان الحوار التالي الذي تناول أبرز التحديّات التي تواجهها المصالح المهنية الحرفية والصناعية في المنطقة.
- كيف تقيّمون وضع المهن الحرفيّة في زحلة؟
في البداية لا بدّ من القول بأنّ أصحاب المِهن والحرفيين يمثلون الشريان الحيوي لجميع قطاعات الإنتاج في زحلة والبقاع عموماً، لكن أعمالهم تتأثر بالأوضاع الإقتصاديّة والسياسيّة والأمنيّة. للأمانة يمكن وصف الوضع الحالي بالمزري، فأصحاب المهن والحرفيين يعيشون مأساةً حقيقيّة بكلّ ما للكلمة من معنى. فهؤلاء وبغالبيتهم الساحقة لا يمتلكون خميرة، بحيث كانوا يعملون لتأمين قوتهم اليومي فحسب. ومنذ 5 سنوات تقريباً بدأنا نلمس إنحداراً قويّاً وسقوطاً متسارعاً في هذا القطاع. فمن كان متمكّناً على المستوى المادي وكان لديه عمّالاً، عمد إلى تسريح هؤلاء العمّال وبات يعمل بيديه، أمّا من كان يعمل بيديه وتقدّم في العمر ولم يعلّم أولاده المهنة أو المصلحة لن يتمكّن من الصمود والإستمرار، إننا بالفعل ننزلق نحو الهاوية من دون ان نجد من يمدّ لنا يد العون.
- هل تقولون بأن المصالح المهنيّة والحرفيّة تسير إلى الزوال؟
في الحقيقة، لا بدّ من الإشارة إلى أن معظم أصحاب المهن لم يعمدوا إلى تعليم أبناءهم أسرار المهنة، بل أن هؤلاء الشباب من الجيل الجديد سلكوا درب التخصص الجامعي في المجالات التقليديّة من هندسة ومحاماة وطبّ وغيرها، حتى ان البعض منهم أكمل دراسته وحياته خارج لبنان. من هنا، نرى هذا التراجع الكبير في القطاع. صحيحٌ أنه يوجد معهد مهنيّ في المدينة يمنح شهادات في بعض المصالح، انما نلاحظ ان الشبان يفضّلون الإاتجاه نحو الإيرادات السريعة والمضمونة، فتراهم ينخرطون في الأسلاك العسكرية من قوى امن وجيش.
- هل اليد العاملة الأجنبية تعتبر عاملاً مؤثراً هنا؟
لقد سبق وذكرت بأنّ جيل اليوم لا يحبّذ فكرة المصالح بل يفضّل الإتجاه إلى مهن أخرى، الأمر الذي دفع صاحب المصلحة إلى الإستعانة بالعامل الأجنبي حتى يستمرّ بالعمل، وهذا العامل تطوّر مع الوقت وتعلّم وبات مع مرور السنين صاحب خبرة تتيح له الاستقلالية وفتح مصلحة يديرها بنفسه، وهذا ما يحصل هنا.
- ما هي الحلول التي تنقذ القطاع اليوم، ومن هي الجهة التي تعوّلون عليها لهذه الغاية؟
بكلّ أسف أقول بأنّ لا حلول في الأفق، لأن أحداً من المسؤولين لا يعير إهتماماً لاحتياجات الحرفي أو حتى الصناعي، وأنا أقول ما خبرته على المستوى الشخصي، فبصفتي نقيب أصحاب المهن الحرّة والحرفيين بالبقاع كلّه من مشغرة وصولاً إلى الهرمل وعرسال، زرت وأزور كافة المسؤولين والمعنيين وجلّ ما أسمعه هو مجرّد وعود، علماً بأن هذه الوعود لم ترق في يوم إلى مستوى الفعل. فقد عقدنا إجتماعات عديدة مع غرفة الصناعة والتجارة ومسؤولين محليين وخارجيين وتلقينا وعوداً من منظمات دولية بالمساعدة العينيّة كتقديم معدّات صناعيّة متطوّرة حتى نتعلّم طرق إستخدامها ونكون في مواكبة للتقنيات الحديثة، وبالتالي نتمكّن من الإستمرار، غير أنّ هذه الوعود بقيت مجرّد كلاماً وأنا واجهتهم بهذه الحقيقة في أكثر من مناسبة.
- ماذا عن الدولة، ألا تقدّم لكم الحماية أو المساعدة؟
الدولة هي بحكم الغائب كليّاً، فنحن من نقوم بالمبادرات ونجري إتصالات لحماية أبواب رزقنا، فأزمة السيولة اليوم وأزمة سعر الصرف كانت بمثابة الضربة القاضية لنا. وإنطلاقاً من هنا وأمام هذا الواقع المرير، اقترحت على سعادة المحافظ إيجاد طريقة ما للتخفيف على أصحاب المصالح، ولو بتعليق الإجارات لفترة معيّنة لإنقضاء هذه الأزمة. في الحقيقة المشهد يكاد يكون مبكياً هنا، فالمحلات تقفل أبوابها تباعاً، ما يجعلنا نواجه مأساة سيكون لها تداعيات خطيرة على المستويين الإنساني والإجتماعي في وقتٍ قريب.
- بلغة الأرقام، كم حرفي يوجد في زحلة؟
يبلغ عدد حرفيي زحلة نحو 1010 تقريباً، ولحدّ اليوم تمّ إغلاق 130 باباً. للأسف نحن نسير بخطى واثقة بإتجاه الإفلاس.
¡ هل من كلمة او رسالة أخيرة توجهونها؟
في النهاية، نحن ندعو العناية الإلهية للتدخل لأن ليس بمقدورنا المواجهة لوحدنا. نحن في سفينة واحدة ولم يعد هناك وقتاً أمامنا للنجاة، فإما الحلول اليوم وإمّا الجوع، وما أدراكم حين يجوع الشعب!..
Recent comments