بروفيسور خالد حنقير: لبنان يسلك الطريق الصحيح والمسيرة مستمرّة
كما في شوارع لبنان كذلك في عواصم عالم الانتشار، الثورة اللبنانيّة تصدح والثوّار يتهافتون الى الساحات دعماً لأهلهم ومطالبهم المحقة. ولأنّ وجع اللبنانييّن واحداً ولأن الصرخة واحدة، تلاقت الساحات ورفعت الهتافات تحت راية واحدة موّحدة وهي راية العلم اللبناني الذي رفرف عالياً متخطياً ألوان الأحزاب وحدود المذاهب والمناطق.
إنّها الثورة يا سادة، الثورة التي هزت عروش أهل الحكم من حيث لا يدرون! الثورة الحضارية التي باغتت من بنى أحلامه على أمجاد السلطة! الثورة التي أعادت الكرامة للشعب المقهور..
بالفعل لقد شكّل يوم 17 تشرين الأوّل 2019 منعطفاً أساسيّاً في تاريخ لبنان الحديث، فما قبل ذاك اليوم لن يكون كما بعده باعتراف المراقبين والمحللين الذين يرون بأن لبنان اليوم أمام فرصة استثنائية لقيام دولة فعليّة حقيقيّة.
مع المرشح السابق للانتخابات النيابية والمدافع الشرس عن حقوق الناس وقضاياهم العادلة، البروفيسور خالد حنقير نتطرق الى الحراك الشعبي في ضوء الوضع الإقتصادي المتأزم الذي يمرّ به في لبنان من خلال حوار شيّق ننشر فيما يلي أبرز ما دار فيه.
أنتم كمغتربون، كيف تعاملتم مع الثورة، وما هي الأصداء في الخارج؟
في البداية لا بدّ من التأكيد على أن المغترب هو انسان لبناني يعاني الأوجاع نفسها التي يعاني منها المواطن المقيم، فالمواطن في لبنان يعاني من النظام الفاسد ومن غياب فرص العمل ومن الحالة المادية المترديّة، في حين ان المغترب يعاني من ألمٍ نفسي سببه فراق الأهل والأحبّة، ولو عاد القرار الى كلّ مغترب لفضّلَ البقاء في وطنه الى جانب ناسه لكن ظروف البلاد لا تسمح بذلك للأسف. لذلك، رأينا هذا التفاعل والتعاطف الكبير في دول الانتشار مع الإنتفاضة. فالمغتربون كباراً وصغاراً، تجمّعوا في الساحات والعواصم العالميّة بأعدادٍ هائلة ومفاجئة مطلقين صرخة مدويّة تلاقي صرخة الثوّار في لبنان، ذلك أن صرخة الوجع هي واحدة لكل اللبنانييّن أينما وجدوا.
ما مدى انعكاس هذه الثورة برأيكم على الوضع المالي بظلّ اتهامات للثورة بتعطيل الحياة الإقتصادية؟
لا بدّ من الإشارة الى أنّ الوضع الإقتصادي التعيس الذي يعيشه لبنان اليوم ليس ناتجاً عن الثورة والانتفاضة الشعبيّة، إنّما سببه تلك الطبقة الفاسدة من تجّار وسياسيين الذين أحكموا قبضتهم على البلاد والعباد طوال الأعوام الماضية. بحيث انحسرت الثروات بيد عددٍ محددٍ من الأشخاص والموظفيّن وهذه ليست اتهامات إنّما حقائق ووقائع، فكفى تحميل الناس "المعترّة" مسؤوليّة الوضع المزري في محاولة سخيفة لتضليل الرأي العام، ارحموا هؤلاء وارحموا عقولنا، فهذا الكلام مرفوض ومردود لأصحابه.
برأيكم الى أين تتجه هذه الانتفاضة الشعبيّة؟
إن لبنان اليوم وبفضل هذه الانتفاضة الشعبية العابرة للطوائف والمناطق بات يسلك الطريق الصحيح، والخطوة الأولى أو الإنجاز الأوّل الذي تمّ تحقيقه هو دفع حكومة المحاصصة او هذا الاخطبوط السياسي الى الإستقالة وهذا أمرٌ ليس بقليل، إذ لا يجوز الطلب من الناس فعل المعجزات خلال بضعة أيّام. من هنا، يجب القول بأن المسيرة تسير بالشكل الصحيح، ونحن نطالب اليوم بحكومة مستقلين لأنّ السياسيّين لدينا أصبحوا اضحوكة للعالم.
ما هي نظرتكم للحكومة المقبلة؟
يجب على الحكومة المقبلة ان تكون متجانسة ومؤلفّة من شخصيّات كفوءة مستقلة تحاكي نبض الشارع، فنحن بلد متحضّر والنخب يجب ان تكون في مواقع القرار. ويبقى على الحكومة العتيدة ان تضع في سلّم أولوياتها خدمة المجتمع واسترداد الأموال المنهوبة من خلال إقرار قوانين تؤمن العدالة الاجتماعية وتريح الناس.
هل يمكن لحكومة تكنو- سياسية ان تنقذ الوضع؟
نحن نصرّ على عدم وجوب توزير اي وزير سواء كان ملاكاً او شيطاناً قد سبق ودخل الى العمل الحكومي، فهذا الأمر غير منطقي إطلاقاً.
لقد جرى الحديث عن مؤامرات وأيادٍ خارجية تحرّك الشارع، ما هو تعليقكم؟
كفى استخفافا بعقول الناس، بربّكم قولوا لنا مؤامرة على من ومن هو المتآمر؟ هل الفقراء والطلاب هم المتآمرين؟ إنّ نظريّة المؤامرة كانت تستخدمها السلطة كأداة لخلق فتنة ونفور بين الطوائف، إلا أن السلطة فاتها أن الطوائف هي أشرف من لعبتهم المكشوفة والدنيئة وان تلك الطوائف على تنوّعها وإيمانها الروحي تحمي الوطن ولولاها لكنّا اليوم امام خراب نفسي أكبر بكثير. لقد استعمل الحكام الطوائف كأحصنة ليخوضوا بها معاركهم السياسية. وهذا الكلام أصبح مكشوفاً، واكبر دليل هي طرابلس "عروس الثورة" التي تمّ تصويرها على أنها قندهار لبنان ومعقل التطرّف، فهذه المدينة أثبتت أنها مصدر الأمل والحياة، بالفعل لقد أبرزت الثورة حجم انفتاح الجبل على الساحل وعلى السهل وعلى كلّ المناطق. من هنا، فقد بدا واضحاً من هم المتآمرين وأصحاب المؤامرات والسياسات الدنيئة.
كيف بالإمكان تنمية روح المواطنة لدى الأجيال الصاعدة؟
إن تنمية روح المواطنة تكون أوّلاَ من خلال دور الإعلام الذي يتوّجب دعمه من قبل الدولة، فالإعلام ثقافة، والثقافة السياسية هي مسؤوليّة الدولة، إنّما مرّة أخرى نقول بأننا نفتقد لمقوّمات الدولة، لذلك يجب إدخال روح جديدة ووجوه جديدة الى الوزارات من أجل تعميم أفكار جديدة. فالمؤامرة تكمن في السيطرة على الإعلام والمراكز. إلا أنّ الناس باتت واعية تماماّ لألاعيب السلطة، فهم يقرأون ويتابعون وبات لديهم وعي سياسي وثقافي كافي، وهذا ما يدفع الطبقة الحاكمة الى اللجوؤ الى كافة أساليب الضغط بهدف إفشال الحراك من دون أن تنجح، وهنا لا بدّ من توجيه الشكر الى مستشاري السياسيين لأن أفكارهم الدنيئة والخبيثة كفيلة بإبقاء شعلة الثورة مستمرّة.
نحن نعلم بأنكم تسعون الى ربط الشباب اللبناني بالخارج، كيف؟
نعم في الحقيقة، أنا أحاول جاهداً في هذا الإطار وقد دعيت الكثير من المغتربين، ككلّ سنة لمؤتمر حول لبنان يشارك به رجال أعمال عرب وأوروبيين حيث يتمّ مناقشة مواضيع إقتصاديّة وإعلاميّة وأحياناً سياسيّة وذلك في جامعة اوكسفورد في لندن، بحيث نسعى الى الطلب من اصحاب الشركات المتواجدين في المؤتمر بفتح فرصٍ للشباب المتخرجين، ونحن نحقق نجاحاً جزئياً مقارنة بأعداد الشباب الضخمة التي تتخرج في كلّ عام، لكن ما أطمح اليه هو وجود وزارة قادرة أن تتعاطى مع شؤون الشباب والطلّاب بكلّ جديّة وروح مسؤولية، ذلك أنّ عقليّة الزبائنيّة مرفوضة، للأسف نحن لا نملك مقوّمات الدولة الفعليّة وما حصل خلال اجتياح الحرائق لأحراج لبنان مؤخراً هو فضيحة بكلّ المعايير.
هل عودتكم الى لبنان ممكنة في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها البلد؟
حينما يدعوني الوطن بالتأكيد سألبّي النداء. فالوطن هو بمثابة الأمّ، والجنسيّة الثانية التي أحملها هي بمثابة الزوجة، الأولى تربّي على القيم والمبادئ والثانية تقف الى جانب الشخص وتدعمه، وحين تنادي الأمّ، يعمد الاب الى تلبية النداء فوراً. من هنا، عندما يصبح هناك إمكانيّة للعودة، سأعود حتماً، فنحن بلد الجمال والطبيعة والأناقة والحضارة، وهذه الثورة ستردّ لنا كرامتنا.
هل تعيدون تجربة الترشح للإنتخابات النيابية ؟
بالتأكيد، لا شكّ بأن الإنتخابات الماضية ظلمتنا وكذلك الإعلام الذي فتح منابره للمرشحين من أصحاب الملايين، ونحن لا ندين الإعلام الذي وجد فرصة لتحقيق بعض الأرباح، فالحملات الإعلانية مكلفة جدّا بالنسبة للمرشحين العاديين وليس للمتموّلين الذين يجدون في الانتخابات صفقة تجاريّة مربحة. وهذا النموذج من المرشحين هو مرفوض.
هل من كلمة أخيرة؟
نشكركم على هذا الحوار، وأنا استغل هذه الفرصة لادعو الشعب اللبناني الى ترتيب اوراق البيت الداخلية وتنظيم بلدنا حفاظاً على كرامتنا.
Recent comments