عدم الثقة بالأمان يرفع منسوب مغادرة المستوطنين إسرائيل
حسين زلغوط :
توحي التطورات العسكرية في اليومين الماضيين في الجنوب، وكأن هناك تجاوز لما يسمى بقواعد الاشتباك، حيث استهدف “حزب الله” للمرة الأولى عمق المناطق في فلسطين المحتلة، من خلال مسيرات انقضاضية على مقر قيادة لواء غولاني ومقر وحدة إيغور 621 في ثكنة شراغا شمالي مدينة عكا المحتلة والتي تبعد عن الحدود اللبنانية حوالي 18 كلم، بعد أن كانت إسرائيل قد اغتالت أحد قياديي الحزب في منطقة عدلون قضاء صيدا، وبذلك نكون أمام قواعد اشتباك جديدة، مغايرة لتلك التي كانت قائمة على مدى السبع أشهر الماضية، حيث كان العدو الإسرائيلي يرد على إسقاط أي مسيرة له بقصف مدينة بعلبك، فيما كان “حزب الله” يرد على الرد الإسرائيلي بقصف مواقعه في الجولان، أو مواقع عسكرية مقابلة إضافة الى مستوطنة “كريات شمونه”.
هل تبقى المواجهات مضبوطة الإيقاع، أم أننا سنكون أمام ارتفاع متتالي في وتيرة التصعيد لنصل بعده الى مرحلة جديدة من المواجهة ؟
المعطيات المتوافرة لا توحي أننا سنكون أمام نسف لقواعد الاشتباك والذهاب باتجاه الحرب بمعناها الحقيقي، أي على غرار ما فعلته إسرائيل خلال حرب تموز من العام 2006 حيث أن الاوضاع اليوم مختلفة عن تلك المرحلة ، فالضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل غير متوافر، لا بل أن واشنطن تضغط بإتجاه منع توسع الحرب، كما أن الداخل الإسرائيلي على المستويين السياسي والعسكري ليس على قلب واحد لجهة شن عدوان على لبنان، والأهم من ذلك كله هو أن الجيش الإسرائيلي متعب وهو في حالة لا تؤهله القيام بأي حرب واسعة مع لبنان، وفي المقابل إن قوة الردع الصاروخية لدى “حزب الله” تمنع المسؤولين الإسرائيليين من مجرد التفكير بتكرار تجربة حرب تموز، سيما وأن مغادرة المستوطنين كل المستوطنات القريبة من لبنان يشكل للحكومة الاسرائيلية معضلة كبيرة لما تتركه من أثر بالغ على النواحي الاقتصادية والمالية، غير أن ذلك لا يعني إمكانية تدحرج الامور والذهاب في اتجاهات لم تكن موضوعة في الحسبان.
وفي دلالة واضحة على فشل حكومة نتنياهو من الإمساك بزمام الأمور في الداخل الاسرائيلي، هو رفض المستوطنين في الشمال الإنصياع لأي دعوة من قبل الحكومة للعودة الى هذه المستوطنات، حيث يعلن أعداد كبيرة ممن قرروا ترك إسرائيل نهائياً أنه لم يعد لديهم أي ثقة بالأمن داخل اسرائيل، وأنهم يخشون أن يستيقظوا يوماً على طوفان أقصى جديد تنفذه هذه المرة “قوة الرضوان”.
وفي هذا السياق تشير كل التقارير الى أن حملة “نغادر البلاد معاً” الداعية الى مغادرة اسرائيل كثفت في الأسابيع الماضية دعوة العائلات الاسرائيلية الى البحث عن وجهة حول العالم، للإقامة المؤقتة أو الاستقرار.
ومما لا شك فيه أن هذه الدعوة تأتي بسبب فقدان الشعور بالأمن والأمان نتيجة اشتعال الجبهة مع لبنان، وهذا ما يقلق الحكومة الإسرائيلية التي لا تملك الورقة التي يمكن من خلال أن تطمئن كل الخائفين من إمكانية إرتفاع مستوى المواجهات. مع الإشارة الى أن صحيفة “معاريف” أشارت الشهر الفائت الى أن أعدادا كبيرة من المستوطنين يعملون على بيع منازلهم في المستوطنات المواجهة للبنان، حيث يخشى هؤلاء أن تكون العملية القادمة موجهة ضدهم، وهم يعتقدون أن اقتحام “حزب الله” هذه المستوطنات ليس إلا مسالة وقت .
من هنا فإن الواقع على الأرض في المناطق المواجهة للحدود مع لبنان وكذلك في العمق الإسرائيلي، مختلف تماما عما يمكن أن تفكر فيه حكومة نتنياهو حيال أي عمل عسكري ضد لبنان، وأن أي خطوة لا تأخذ في الحسبان ما يمكن أن تكون عليه ردة فعل “حزب الله” ستكون خطوة متهورة لا بل مميتة.
Recent comments