حكومة استعادة الثقة شاء من شاء وأبى من أبى
حبيب البستاني: كاتب سياسي
في فترة زمنية قياسية نسبة للوقت الكبير الذي كان يستغرقه تشكيل الحكومات في ما مضى، استطاع العهد من تشكيل حكومة جديدة من " الاختصاصيين " التي نادى بها معظم اللبنانيين، وذلك بغض النظر عن رأي هذا أو ذاك من المتضررين وما أكثرهم، وكما يقول أكثر من مرجع فعلها فخامة الرئيس فعلها ميشال عون. بعيداً عن المهاترات والوعود الرنانة الغير قابلة للتنفيذ أعلن رئيس الجمهورية وأمام أكثر من مرجع وشخصية أنه وأياً تكن الظروف سيكون للبنان حكومة جديدة قبل انتهاء الشهر، وأن الدكتور حسان دياب هو من سيتولى تشكيلها وليس أي شخص آخر، وأن كل التحركات " الموجهة " والمغايرة لأهداف الحراك لن تكون قادرة على الحؤول دون تشكيل هكذا حكومة، فالناس فهمت اللعبة واستوعبت كل هذه التحركات الهادفة إلى خلق نوع من الفوضى لا أكثر ولا أقل، وأن كل الذين راهنوا على هذه التحركات وعلى الفوضى المترتبة عنها، والذين اعتقدوا أنه بإمكانهم ركوب الموجة واللحاق بالركب بغية تعويم أنفسهم باءت أحلامهم بالفشل، فانقلب السحر على الساحر وكادت الفوضى أن تطيح ببيروت وأهل بيروت وحكاية العمران التي نسجت حولها الأحلام والإمبراطوريات المصرفية التي بدأت تتهاوى في قلب بيروت الواحدة تلو الأخرى.
الثالثة ثابتة
هي حكومة العهد الثالثة ويقول البعض ربما قد تكون الحكومة التي سترافق العهد طيلة النصف المتبقي من الولاية إلا إذا تعرضت البلاد لمخاطر تفرض تغييرها، وبغض النظر عما تم إنجازه في النصف الأول من الولاية، فإن على هذه الحكومة أن تنجز ما لم يصار إلى إنجازه سابقاً.
العهد ما له وما عليه
قبل الغوص في هذا الموضوع لا بد لنا من الإشارة إلى الملفات التي التزم بها العهد وتلك التي التزم بها رئيس الحكومة السابق طيلة حكومتي العهد الأولى، وبغض النظر من أن العهد كل لا يتجزأ ولكن لا بد من النظر بموضوعية إلى واقع الحال، فكما هو معلوم وكما جرت العادة وطيلة حكومات ما بعد الطائف كان رئيس الجمهورية يلتزم ملف الأمن فيما رئيس الحكومة يلتزم ملف الاقتصاد، فما هي الملفات التي استطاع فخامة الرئيس إنجازها والنجاح فيها في النصف الأول من الولاية؟
لقد استطاع فخامته من إنجاز الكثير لا سيما في الشق الأمني المتعلق به وهي إنجازات تاريخية إنما لم يصار إلى الإضاءة عليها كما يجب، بل على العكس تماماً جرى طمسها عمداً تحت شعار رفعه الأصدقاء قبل الخصوم، بضرورة تهشيم صورة العهد وتسخيف إنجازاته الكبيرة التي لا بد من ذكرها وإعادة تذكير اللبنانيين بها وأهمها :
عملية فجر الجرود التي دحرت الإرهاب عن الحدود اللبنانية وثبتت الأمن على الحدود وحتى في الداخل اللبناني.
تثبيت الأمن في الداخل وانخفاض ملموس في مستوى الجريمة.
زيادة فاعلية الأمن الوقائي.
ملاحقة مخلين بالأمن وإرهابيين وجلبهم من مختلف المناطق التي كانت محرمة على السلطة اللبنانية كالمخيمات والضاحية والجرود.
تمكن العهد من إجراء تشكيلات قضائية وعسكرية ودبلوماسية وهذا ما لم يكن ممكناً حتى في ظل الوجود السوري والدعم الكبير الذي كانت تحظى به السلطة آنذاك.
استطاع العهد وبإصرار من فخامة الرئيس من وضع 3 موازنات في الوقت الذي كانت هذه غائبة لأكثر من 12 سنة.
وضع قانون إنتخاب عصري وهذا يعود للسعي الدؤوب لفخامته.
وقف التمديد للمجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية وكلنا يذكر المعركة التي خاضها فخامته لتحقيق ذلك وعلى أكثر من صعيد خارجي وداخلي.
البدء بعملية ملاحقة الفساد وهي عملية معقدة تتطلب وقتاً وجهداً نظراً للتركيبة الطائفية للبلد واستحالة المحاسبة والملاحقة لأسباب معروفة.
في الشأن الخارجي رفع فخامة الرئيس ملف لبنان إلى أرفع المراجع الدولية مدافعاً عن قضية لبنان وحقه في ثرواته مياهه وأراضيه.
مطالبة فخامته بعودة النازحين ورفض التوطين قولاً لا فعلاً.
أما في الشق الاقتصادي الذي كان في عهدة رئيس الحكومة فتلاحقت الاخفاقات ووصلنا إلى ما وصلنا إليه من انهيار مالي واقتصادي ناجم عن خطط إقتصادية وسياسات مالية فاشلة، لم يقبل يوماً رئيس الحكومة السابق بمجرد إعادة النظر فيها.
أما اليوم وأمام هذه التحديات فالعهد والحكومة مطالبان بالنجاح لا سيما في غياب عوامل التعطيل والعرقلة التي كانت متواجدة حتى داخل الحكومات السابقة، حيث كان أكثر من فريق يمارس سياسة " إجر بالفلاحة وإجر بالبور " مستفيداً من جنة السلطة ومعارضاً بصورة شعبوية من خارجها.
ملفات الحكومة
الإقتصاد والإقتصاد ثم الاقتصاد، فالمطلوب رسم سياسة إقتصادية ومالية فاعلة تقوم على إحداث تغييرات بنيوية في الهيكلية الاقتصادية ونقل البلد من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي.
إحداث إصلاحات إقتصادية مالية تؤدي إلى تخفيض الفوائد وخدمة الدين وتنشيط الدورة الاقتصادية وخلق فرص عمل في مختلف المجالات.
إضافة إلى الملف المالي – الاقتصادي فبانتظار الحكومة ملفات تتعلق بوقف الهدر في أكثر من مرفق وصندوق، من مجلس الجنوب إلى الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين ووزارات الاتصالات والطاقة وضرورة تنفيذ المشاريع والخطط التي وضعت لذلك.
ضرورة مواصلة مكافحة الفساد والعمل على استرداد المال المنهوب وكلها ملفات ساخنة شكلت مطالب الناس المحقة.
كذلك ضرورة العمل على إرساء الدولة المدنية التي تشكل حلم اللبنانيين في دولة المواطنة حيث يكون الانتماء فيها للوطن أولاً وليس للطائفة.
أحلام كبيرة وخطط كثيرة ولكن الأهم هو تضافر الجهود وتكاتف اللبنانيين كل اللبنانيين بعيداً عن ضوضاء الشارع والغوغائية والخطابات الشعبوية، إنه من أولى ركائز الديمقراطية هو وجود حكومة تعمل ومعارضة تراقب، وها نحن اليوم أمام هذه التجربة الفريدة التي تتحقق والتي تتخطى الطائف وتدخل في عمق الفكر اللبناني والتنوع الحضاري والإيديولوجي الذي يتمتع فيه هذا الوطن.
Recent comments